◾اسم الرواية : الكلب الذي رأى قوس قزح
◾اسم الكاتب : د. عصام الزيات
◾نوع الرواية : دراما نفسية فلسفية
◾اصدار عن دار دون للنشر والتوزيع
◾عدد الصفحات : ٢٠٨ صفحة
◾تصميم الغلاف : عبد الرحمن الصواف
◾التقييم : ⭐⭐⭐⭐⭐
ماذا لو أن الكلاب لا ترى قوس قزح ولن تراه سلالتها أبداً؟! وماذا لو أن كلباً رأي قوس قزح؟!
تبدأ أحداث الرواية أمام بوابة إحدى المستشفيات العامة، وحالة من الضجيج والترقُّب سيطرت على كل الموجودين، عربات إسعاف وسيارات أمن مركزي وكاميرات تليفزيون، وأقرباء يتوافدون لتفقُّد ذويهم، أصوات بكاء تتداخل مع نداءات عالية وصياح مرتفع، وكلٌ في ملكوته الجميع لا ينشغل سوى بمن يهمه فقط.... أما هو فقد كان بالقرب من بوابة المستشفى، يتفقد الوجوه ويشير للممرضة (خلود) لتأمره بالتحرُّك، وهو يبتسم لها، ليس من العاملين في المستشفي، ربنا من أقرباء أحد المرضى، وربما هو المريض بالفعل، ملابسه تدل على الثراء، لا ينتظر أحد ولا أحد ينتظره، إنه هو... (السيد).
عاش السيد حياته وحيداً له أخوة، توفى الأكبر في صغره والآخر توفي في فترة تجنيده، وتوسلت أمه لرب العالمين ليترك الأخير لها، فقُبِلت دعوة أم مكلومة بفراق فلذتيّ كبدها، وبقي (السيد) معها ومع والده في دارهم بالقرية.
عاش السيد حياته ليس ناقماً على عيشتهم البسيطة ولكنه ساعياً ليصبح أفضل، لم يُرِد أن يكون ممن يجلسون على المقاهي ولا أن يصبح مُعلِّماً كما تمنَّت والدته دائماً، ووجد في الفلسفة ضالته المؤقتة، حتى وجد باباً يُفتح أمامه وخلفه الفرصة التي كان يصبوا لها، سعى لها بكل ما أوتي من قوة، ووالداه أرادا أن يكون سعيدًا وألَّا يقِفا في طريقه، ففعلا كل ما بوسعهما لمنحه ما يريد، وكيف لا؟! أوليس كل شيء في النهاية لـ(السيد)؟! أليس هذا المال ماله في النهاية؟!
اقتنص (السيد) الفُرصة التي كانت بالنسبة له لن تتكرر، صحيح انها كانت فرصة، ولكن ظلَّت سنواتً حتى تؤتي ثمارها التي طالما أخبر والديْه عنها، حتى بات كثرة الكلام لا داعٍ لها مادام الوقت يمُّر ولا شيء يحدث.
وحدث أخيراً وقطع (السيد) الطريق الطويل بين الفقر والثراء، اغتنم الفرصة التي أتته صدفةً وأصبح (سيد بيه)، ولكن كان على (السيد) أن يعرف جيداً أن كل مكسب مأخوذ من الحياة سيكون أمامه خسارة، وكل سعادة لابد أن يسبقها حزن، فهذا حال الدنيا يا (سيد) وكل ما ستحصل عليه ستدفع الثمن نظيره يوماً ما.
فما الثمن الذي سيدفعه (السيد) نظير تحوُّله من (استاذ سيد) الي (سيد بيه)؟! وهل كان هذا التحوُّل يستحق ما سيُدفع من أجله؟!... ما الذي أتى بـ(سيد بيه) أمام بوابة المستشفى؟! وما سبب حالة الهرج التي سادت المستشفى في هذا اليوم؟!
◾رأيي في الرواية :
جذبني عنوان الرواية الغريب وغلافها الأكثر منه غرابة، وقد أغراني حجمها البسيط وظننت لوهلة أنني سأنهيها خلال جلسة واحدة، ولكن هيهات... فالرواية جذتني عنوة لأحداثها خلال أربعة أيام متتالية دون ملل أو تشتيت.
الرواية تتناول تدرُّج حياة الإنسان من الفقر إلى الغنى، من العوز والحاجة إلى الإسراف، وقد كان بطلها (السيد) هو خير مثال على ذلك والذي تحول من مجرد (سيد أو استاذ سيد) الي (سيد بيه) هذا الرجل ملء السمع والبصر الذي يعرفه الكثيرون ويسعون لمصادقته والتعرُّف عليه، ولكن الطريق بين اللقبيْن لم يكن بهذه السلاسة، عاش (السيد) بفلسفته الخاصة، كان يقرأ وجوه كل من يقابل وينسج القصص والحكايات من تعبيرات وجوههم، ولكن فشل في قراءة أوجه أقرب الناس اليه.
الرواية تتحدث عن معايشة الوهم لسنوات طويلة دون أن يجرؤ الإنسان على المواجهة، وربما معايشة الخيانة لسنوات أطول وكذلك دون أن يكون مستعداً للمواجهة، تشير الرواية للعطاء اللامحدود مُقابل ما يُلقى إلينا من فُتات من نحب، كما تتحدث عن ازمة منتصف للرجال والملل والفتور الذي يصيب حياة اي زوجين ليس للتفاهم مكان بينهما.
ومن ناحية أخرى الرواية مليئة بالاسقاطات السياسية والاجتماعية لواقع المجتمع المصري، فقد عرضت الرواية معنى الأرض والعرض والتمسُّك بهما، وذلك متمثلاً في شخصية (عزت)، هذا الأب الذي شهد بناء الدار قطعة قطعة مع والده وعاش فيها حياة كاملة، لترتبط روحه بها وتفارقه مع هدمها وكأنه لم يقدر على الحياة في مكان آخر غيرها، كما أشارت الرواية لجزء من المعاناة في المستشفيات الحكومية التي يرتادها أغلب فئات الشعب المصري، فمشهد نقص الأكسجين وانهيار الممرضة ذكَّرني بحالة مشابهة منذ سنوات حينما انقطع الأكسجين عن احدي المستشفيات الحكومية في فترة جائحة كورونا.
الرواية تتحدث عن الموت وحقيقته بطريقة فلسفية ومن منظور أبعد من منظور الفقد، مؤكدة أنه لا حذر يمنع القدر، والموت هو النهاية الطبيعية لأي إنسان مهما كان، فقد جعلت من الموت شخصية رئيسية في الأحداث وبكل مرة يُقدَّم بصورة مختلفة.
رواية واقعية بقدر ألمها، تجد نفسك تتحد مع ابطالها وتتفاعل مع مشاعرهم، فتارة تلوم سلبيتهم وتارة تشعر بالشفقة عليهم، تارة تحبهم وتارة تنفر منهم.. رواية مميزة استمتعت بقراءتها.
◾النهاية :
لأول مرة أشعر بالحيرة حيال نهاية إحدى الروايات، لقد استطاع الكاتب توضيح الصورة الكاملة في النهاية، وقد سدَّ كل الثغرات على مدار الرواية، ولكن مشهد النهاية نفسه استوقفني، هل سيظل (السيد) حياته هائماً هكذا؟! هل سيعيش حياته وحيداً بعدما لفظه الجميع؟! أم أن رؤية قوس قزح من جديد كانت بمثابة إشارة أمل وارتفاع لمنحنى حياته الذي هبط مرة أخرى؟!
◾الغلاف :
اول ما جذبني للرواية كان غلافها الغريب وعنوانها الأشد غرابة، تشعر بالتضاد بين الاسم والعنوان، علاوة على جهلك بمعناهما من الأساس، ولكن مع القراءة تبدأ الصورة في الوضوح والعنوان في توضيح مغزى الرواية، لأعود مرة أخرى إلى الغلاف منبهرة بقوة تعبيره عن الرواية وأحداثها وفكرتها الأساسية.
◾الحبكة :
حبكة ممتازة، مُتقنة ومترابطة التفاصيل ومُسلسلة الأحداث.
◾الأسلوب :
اعتمد الكاتب أسلوباً مميزاً يعتمد على الوصف الدقيق للشخصيات والأحداث بصورة تجعلك تشعر أنك تعاصر الشخصيات وتحيا معهم في نفس الأماكن، حتى مشاعرهم واحاسيسهم تجد نفسك تتحد معها، فهو أسلوب سهل ممتنع حيث بدأ الكاتب روايته بمشهد النهاية، وبرغم انها فكرة ليست جديدة إلا أن الكاتب صاغها بطريقة فريدة، فالكاتب بدأ بمشهد غريب عن رجل ومستشفى وممرضة وعربات إسعاف وموتى!! مما يجعل الكاتب يشعر بالفضول لمعرفة ما خلف هذا المشهد، ليبدأ الكاتب عرض الرواية بين الماضي والحاضر من نظرة بطل الرواية (السيد)، فهو تارة ينتقل للماضي البعيد، وتارة لآخر قريب، ثم يتجه للحاضر، ومع التقدُّم في الأحداث نرى حكاية لها نهاية وبداية ولكن مازال المنتصف غير واضح الأبعاد؛ مما يزيد من فضول القارئ لمعرفة كيف آلت الأحداث من هذا إلى ذاك، وبرغم عدم اتضاح الرؤية سوى في فصول الرواية الأخيرة، إلا أن قوة اسلوب الكاتب وتمكنه من أدواته الإبداعية يدفع أي ملل او تشتُّت يمكنه ان يصيب القارئ، وهذا ما حدث معي.. فمع القراءة أجدني لا أستوعب الصورة كاملة وفي نفس الوقت يتنامى فضولي لمعرفة مصير كل هذه الأحداث.
◾اللغة :
اعتمد الكاتب لغة عربية فصحى سرداً وحواراً، وقد جاءت اللغة قوية ومُنمَّقة وتمتاز ببلاغتها، فجاء السرد -والذي غلب على الحوار على طول الرواية- فصيحاً يتَّسِم بتنوع الألفاظ والعبارات علاوةً على استخدام الصور البيانية بصورة مميزة، فجاءت التشبيهات قوية بلا مبالغة ورصينة دون تشتيت، أما الحوار فقد جاء حيَّاً ناطقاً ومعبراً عن كل شخصية من الشخصيات ويعكس سماتها الشخصية.
◾الشخصيات :
جاءت شخصيات الرواية محدودة ومُتعدِّدة في آنٍ وواحد، فشخصيات الرواية ككلٍ كانت كثيرة نظراً لاختلاف زمان ومكان الأحداث وعرض حياة البطل من مراهقته حتى شيخوخته، أما بالنسبة لمحدوديتها فيرجع ذلك إلى وجود بعض الشخصيات الثانوية في كل مرحلة في حياة البطل تختفي في المرحلة التي تليها، وهذا ما جعل دورها ضرورياً ومؤثراً.
لقد رسم الكاتب شخصيات الرواية ببراعة، واستطاع الربط بين الشخصيات وبعضها، والتعبير عن مشاعرها النفسية وفلسفتها الخاصة بصورة مميزة خلال الأحداث، فالكاتب جعل القارئ يتعاطف مع الشخصيات وفي نفس الوقت يشعر بالنقمة عليها، يضع نفسه موضعها تارة ويكون حكماً وجلّاداً تارة أخرى.
لقد جمعت الشخصيات بين المشاعر النفسية المعقدة والتقلبات التي يشعر بها أي إنسان، فمثلاً :
السيد : مثال للشخص الطموح والرجل الضعيف أمام أحِبَّته والأب الغائب عن حياة أبنائه، والابن التائه عن حضن أمه.
نور : جمعت بين الملامح الجميلة والنفس المريضة والأخلاق الذميمة، شخصية مُربِكة في كل شيء يصعُب التعرُّف على دواخل نفسها.
التوأم : مثال لعقوق الأب وجحود القلب ولكن لا تعرف هل تتعاطف معهم لأنهم ضحية اهمال أب وافتراء أُم؟! أم تشعر بالنقمة تجاه أفعالهم المُشينة ونفوسهم المشوهة؟!
عزت : الأب القوي من الخارج والحنون من الداخل، مثال للتمسُّك بالأرض والعرض، من يفنى روحه من أجل أبنائه حتى لو كانت رغبة الأبناء هذه لا تتماشى مع رغباته.
صفية : الزوجة المخلصة المُحِبَّة والأم الحنون التي أوجع الحزن قلبها ومازالت تعطي دون مقابل.
خميس : الحاضر الغائب في الحكاية، هادن الموت سنيناً وأكل الفقر روحه سنيناً أخرى، وكأن حريصاً حتى اللحظة الأخيرة على أسرته الصغيرة.
◾اقتباسات من الرواية :
📌"والبيت لا تهدمه الجرافات، بل يهدمه تخلي صاحبه عنه. ولا يهزم الزمن أي شيء، بل تُهزم الأشياء بهجر أصحابها لها."
📌"إن كل الحمقى الذين يواجهون الموت يريدون أن يجعلوا لتلك التجربة معنى، يوهمون أنفسهم بأنهم خرجوا منها أكثر حكمة مما دخلوها، وربما لم يخرجوا منها إلا أكثر سذاجة."
📌"الفلوس لا تأتي بسهولة، نشتريها بعمرنا وجين تضيع يضيع معها عمرنا."
📌"تستدعي الآلام بعضها كأنها محفوظة في ملف واحد داخل المخ."
📌"الصياد لا يأمن البحر، يدخل فيه ولا يعرف هل سيعود أم لا."
#الكلب_الذي_رأى_قوس_قزح #عصام_الزيات
#دار_دون_للنشر_والتوزيع
#مراجعات_هدير #قراءات_2024