الرواية التي ظلت تطاردني لبضعة أشهر، أعتقد أنني بدأت في قرأتها منذ شهرين وتركتها أكثر من مرة لا أعلم السبب، بدأت في قرأتها بعد ترشيح من صديقة أنها الرواية الأولى التي يجب أن ابدأ بها قائمة روايات الكاتب أشرف العشماوي وقد كان.
الرواية تحكي عن دهب عجيبة سر الختم، اسم من البداية للنهاية يجذبك لمعرفة ما وراءه، على الرغم من أنه يختفي لما يقرب من نصف الرواية تقريبًا لتظهر بدلًا منه الكثير من الأسماء الأخرى التي تعلق بعجيبة ونعلق نحن معه.
يسافر عجيبة للقاهرة حتى يبدأ عمله ويترك زوجته مِسكة في النوبة، تبدأ عملية التهجير قبل الغرق، يفقد بيته وزوجته وطفله الذي لم يراه من الأصل، المشاهد البسيطة التي ظهرت فيها مِسكة في أحداث الرواية جعلتني اتعلق بها، زاد عليها تعلق عجيبة بها طوال أحداث الرواية بشكل قوي مما جعلني أشعر إنها رمز أو قديسة يبحث عنها ليتبارك بها وتمنحه الخلاص وليست مجرد زوجة فقط.
يقابل عجيبة بدر الذي كان السبب في قلب حياته رأسًا على عقب، أن كان يمكننا اعتبار أن حياته من الأصل كانت في مسارها الصحيح، ما بين فقدان اسمه وبين فقدان اصابعه وبين فقدان كرامته، فقد عجيبة كل شيء تقريبًا، كنت أبحث طوال الأحداث عن ما الذي يجعله يتمسك بالحياة ذاتها حتى الآن، فكان الرد دائمًا مِسكة، التي وبالرغم من أن قلبه في لحظة ما عرف أنه لن يجدها إلا أنه فضل الوهم عن الحقيقة.
الكثير من الوصف والتفاصيل شعرت أنها بلا داعي وكان يمكن أن يتم اقتصاصها دون الأخلال بالنص، جاءت النهاية متأخرة للغاية، في كل لحظة مع بدر كنت انتظر هذه النهاية، ولكنها جاءت بعد عدد صفحات كبير وقسوة أكبر، في النهاية لم أعرف هل توقفت في الرواية عدة مرات من أجل الشعور بالملل الذي تسرب إليّ أم بسبب كل القسوة التي كانت في الأحداث، رق قلبي لحال عجيبة وودت لو أخبره بصوت مرتفع أن يتوقف.. لا تستمر أكثر من هذا.. يكفي.. ولكن لم أستطيع أن أجعله يتراجع للأسف.
الرواية تناولت موضوع بناء السد العالي وتهجير أهل النوبة وفقدهم لأرضهم وكل ما يملكون والظلم الكبير الذي تعرضوا له بطريقة اجتماعية رائعة ظهرت في قصة حياة عجيبة، وكأنه ظل طوال حياته مشتت بعد أن حدث الغرق، لا أعلم لِما حضر إلى ذهني قصة الغرق والتيه، وكأن حياته تشبهها كثيرًا بدأت من الغرق واستمر في التيه طوال سنوات طوال لم يعود منهم حتى النهاية على الرغم من أنه في أخر صفحات الرواية كانت قدمه فوق أرضه التي تركها منذ سنوات، ولكن الأرض لم تكن في التراب الذي وقف عليه ولكنها كانت داخله، أرضه كانت في زوجته وابنه الأمل الوحيد الأخير والمفقود.
*اقتباسات:
❞ اشتممت رائحة ذعر يطل من عيونهم، وشعرت أنهم يغوصون في مقاعدهم خوفًا من رد فعلي، لكنني اكتفيت بهذا القدر وعدت أدراجي مرة أخرى ومن يومها وأنا أسرع الخطى قرب تجمعاتهم كلما رأيتهم وهم يخفضون من صوتهم عندما يلمحونني، ولا يدرون أنني الخائف❝
❞ هذه هي الجنة، لكنني سأخرج منها بسبب تفاحة فضولي! ❝
❞ وهل يعقل أن يتحوّل بلد زراعي بحجم مصر إلى دولة صناعية بلا مقومات؟ هذه معلومات أقرب للهراء لأنها لو صحت سيفقدون الرقعة الزراعية للأبد ولن يتركوا بصمة في أي صناعة. ❝
❞ لم يذكروا لنا بخير أو بسوء مصير من لم يركب سفينة نوح، وهو ما يشغلني، الذين بقوا من أهلنا، هل يلقى كل منهم نفس الاهتمام أم أنهم في غياهب البحيرة التي تتشكل الآن وتبتلع كل ما حولها من بلادي وكأنها لا تشبع أبدًا؟! ❝
❞ ظنوا أنني جننت، لكنني لم أفقد عقلي فقط، أنا فقدت قلبي وهويتي وقطعة مني معًا.. يا الله! ❝
❞ هل خلقت منا من هو غير مؤهل لدخول الجنة أصلًا؟ ❝