"كثيرون كانوا يتخلفون عن المشي ضمن الجموع، يصل بهم العجز إلى التوقف عن أي حركة. (…) هل مُقرّر لنا، أعني لليهود، من قِبل حضرة الإمام الرحيل إلى هذه البلدة؟ والبقاء فيها؟ أم أنها محض صدفة؟ مزاج جندي ملّ من زحف مرضى وجياع وأشباه موتى؟
- اليهودي الحالي لليمني علي المقري 🇾🇪
اعتدت في الأدب العربي مصادفة نماذج مشوهة لليهود، فاليهودي في المخيلة العربية دائمًا خائن أو خبيث أو حقود، يملأ الغل قلبه. امتطى بعض الكتّاب من الجيل الحالي صهوة الصوابية الاجتماعية، فجعلوا من بطلهم اليهودي شخصًا ضالًا هداه الله للإسلام، فكأن اليهودي لا ينصلح سوى بتغيير دينه، وهو بالطبع توجه له ما يبرره ما بين سطوة التنميط المعتاد وما بين الرغبة في المكسب التجاري حين يلاقي هذا التوجه هوى في قلوب القراء.
بدأت بهذه المقدمة كي أُبرز قيمة الأعمال العربية النادرة التي يظهر فيها اليهود دون قولبة ودون تشويه، وهو ما انتهجه المقري مع بطل روايته اليهودي الحالي (أي جميل المحيّا) الذي أحبته فاطمة المسلمة ابنة الفقيه، فهربا معًا من بلدتهم "ريدة" إلى صنعاء العاصمة حيث تزوجا وعاشا معًا. تؤرخ الرواية لأحوال يهود اليمن في القرنين السابع عشر والثامن عشر، وما تعرضوا له من تضييق وتحرّش باسم الدين تارة، وباسم المصالح السياسية والاقتصادية تارة أخرى.
ما زلت أتذكر جيدًا رحلتي إلى اليمن عام ٢٠٠٧ وانبهاري بالتراث الثقافي المادي وغير المادي، بما في ذلك أهازيج يهود اليمن المبهرة التي تتميز بقوالب نغمية شديدة التعقيد. وبالعودة إلى الرواية، فليس فيها الكثير من "صنعة" الكتابة، فهي تعجب ولا تطرب، وتعتمد بشكل شبه كلي على الظرف الإنساني الذي يؤرخ له المقرّي باقتدار.
#Camel_bookreviews