لست ادري ماذا اكتب.. رواية بهذه الدسامة تحتاج مراجعة بحجمها.. وكل شخصية تحتاج مراجعة مفردة.. ولكن سأحاول كتابة بعض مما شعرت به...
كان لي شرف حضور مناقشة الرواية على الجروب ولم اكن بعد فرغت منها ومع ذلك لم تحرق لي الاحداث.. كانت المناقشة رائعة وممتعة جدا وجاوبت على كثير من التساؤلات...
رواية كالدوامة تبتلعك داخلها.. رواية تشبه خيطا شددته فأخذ يكر الكرة الصوفية شيئا فشيئا ويفك عقدتها.. كلما لاح لك اخر الخيط بدا خيط جديد وشخصية جديدة وقصة جديدة...
اه لو استطعنا فك النفوس كما فعل الكاتب.. اه لو وضعت كل النفوس التي نعرفها على مائدة تشريح هائلة لفهمنا كل شيء ... ولارتحنا جميعا...
اعتمد الكاتب على كتاب اللاطمئنينة لبيسوا كمحور تدور حوله الاحداث والشخصيات.. المرعب في كتاب بيسوا انك حتما ستجد قصتك الشخصية في انداد بيسوا...وكأنه يعرفك شخصيا ويحلل اندادك ويكشف لك عما لا تعرفه عن نفسك.. والاغرب انك ايضا ستجد شخصيتك وقصتك في هذه الرواية... لدرجة تجعلك تتساءل من انا وهل ما اعرفه عن نفسي حقيقي ام انني استعير حياة اخرى؟
اسئلة فلسفية تغوص في اغوار النفس البشرية.. لكل نفس انداد اخرين.. لكل نفس استعارة.. لكل نفس رحم للحظة ولدت منه... الى اي مدى يمكن ان تبلغ قسوة الانسان؟ .. وهل للقسوة وجه اخر لا نراه؟.. هل يوجد مبرر للقتل؟ هل يسقط هذا المبرر العدالة في القصاص؟.. هل للحب معنى اخر؟ هل من العدل ان نعاقب ذاتنا لنتبرأ من ذنب ربما لم نقترفه؟...هل حقيقي ان لحظة بعينها في الطفولة رسمت الطريق لنا؟ وهل فعلا نحن كآباء وامهات نتحكم في مصير ابنائنا بافعالنا الغير مقصودة ؟ .. هذا مرعب..
كل شخصية في هذه الرواية هي قصة منفردة بحد ذاتها.. شخصيات كثيرة جدا ومعقدة جدا وعميقة جدا.. وكما ورقة الخس..كلما ازلت سمة من الشخصية تبدت تحتها سمات.. ومع ذلك لا تتوه ابدا بين الشخصيات والاحداث.. بل ذهنيا طوال القراءة انت تسقط مشهدية الغابة على الجو العام.. صيادون وفرائس.. حيوانات من كل نوع.. الذئب.. .. الاسد.. الضبع.. الغراب الابيض والاسود.. العنكبوت.. الكلب.. الفأر.. والغزلان.. الكثير من الغزلان.. منها غزلان تستسلم ومنها غزلان تقاوم... هذه الحيوانات بكل صفاتها الغريزية تم اسقاطها على ابطال الرواية بابداع ..
الدمج بين نصوص كتاب اللاطمئنينة.. مع لوحات فنيه ذات ابعاد نفسيه كان رائعا...
عهد الصداقة بفواكهه والوانه كان فكرة جميلة...
الشخصية الوحيدة الحقيقية بلا استعارة كانت انطون.. كان داخله هو خارجه ويعلم من هو واصبح كما اراد.. فقط تغير اسمه.. رايت الرسالة من وراء.. ذلك تقول انه برغم ضعفك و هشاشتك فقد انتصرت
الشخصية الاكثر خسة وحقارة كالضبع كانت طه فوزي.. لم اتبين الخلفية التي بنيت عليها وضاعته لكن ربما هو هكذا لانه هكذا بلا تفسير... اما علي المسيري فشخصية اعقد بكثير من ان تكرهه او ان تتعاطف معه... كان ضحية وصار جلادا..
احلام سعدون بطلة الرواية بطيفها والغازها وظل الغزالة الحرة التي تواجه الصياد كلوحة باهتة كبيرة في خلفية الاحداث...
حبكة الاحداث كانت مشوقة جدا و لا مكان للملل ..تفاصيل كثيرة جدا ولكن كلها ذات معنى.. اللغة بسيطة وجاذبة.. النهاية كانت لطيفة ومريحة بعد كم الارهاق النفسي للقارئ وهو يتفاعل مع الشخصيات التي حتى الشرير فيها يثير شفقتك بطريقة ما... تعلمنا الرواية انه ربما وراء الشر حكاية.. واننا جميعا مساكين وضحايا لحظة معينة يتغير بعدها كل شيء.. وان الماضي والعائلة هو ما يرسم مصائرنا.. من اجل كل هذا فلنرفق بانفسنا و ببعضنا قليلا.. كنت معترضة على الغلاف لم افهمه ولكن توضيحات الكاتب في المناقشة وشرح الزملاء اقنعتني به..
شكرا للكاتب على هذه الرواية الدسمة.. التي حتما تركت اثرا بالغا في نفسي ليس كقصة فقط.. وانما كفلسفة حياة وخبرة تضاف لشخصيتي... وعدد كبير جدا من الاقتباسات اضفتها الى كراستي..
خلق الرب يوما غرابا ابيض..
لم تتعرفه امه..
نبذته لان في عتمة ريشها
يجتذب سطوع لونه
الصياد الرابض
في الغابة...