إذاعة الأغاني؛ سيرة شخصية للغناء > مراجعات كتاب إذاعة الأغاني؛ سيرة شخصية للغناء > مراجعة طاهر

إذاعة الأغاني؛ سيرة شخصية للغناء - عمر طاهر
تحميل الكتاب

إذاعة الأغاني؛ سيرة شخصية للغناء

تأليف (تأليف) 4.1
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

لم يخطئ المتنبي حينما قال في إحدى قصائده "وخير جليس في الزمان كتاب"، فحتّى مع دخولنا عصر السرعة والذكاء الاصطناعي وتعدد الفنون ووسائل الترفيه لا يزال الكتاب هو الجليس الأنسب للإنسان، وهذا راجع لأسباب عديدة يمكن رؤيتها بوضوح في كتاب اذاعة الاغاني لعمر طاهر، وما سافعله في بقية المراجعة هو محاولة تعداد هذه الاسباب من خلال هذا الكتاب.

يحمل الكتاب الجيد بالضرورة فائدة لقارئه، فالكتاب الذي لا يضيف شيئا مكانه سلة المهملات، و بكل تاكيد ما يقدمه الكتاب يختلف عن أي وسيلة اخرى، فكيف وإن جمع هذا الكتاب بين الحديث عن الاغاني ذات الارتباط الشديد بحياتنا وعن الذكريات التي تعتبر اهم ما يميز البشر عن باقي المخلوقات، فالإنسان دائمًا مدفوع بماضيه، وذكرياته هي ما تشكل حاضره.

هذا المزيج المذهل الذي صاغه عمر طاهر بحرفية شديدة يرينا علاقة قل ما انتبهنا لها، مما يدفعنا مع كل فصل للتفكّر في حيواتنا الشخصية حاملا معه نوستالجيا من الماضي البعيد لأغاني طفولتنا ومراهقتنا ودورها في تشكيل وعينا ولحظات فرحنا وحزننا، ومتعة مقارنتها مع اغاني وذكريات عمر طاهر، وطبعا هذه المشاعر والافكار لا يمكن ان توفرها سوى حالة التأمّل التي يوفرها الكتاب.

على عكس معظم الفنون ووسائل الترفيه الحديثة التي تعتمد على الحس البصري في المقام الأول، يعتمد الكتاب على اللغة كوسيط أساسي ووحيد فبدونه لا وجود للكتاب، والكاتب الماهر هو من ينتقى كلماته و مفرداته بعناية، فمثلا عندما يقرر كاتب ما ان يكتب رواية يستخدم لغة تختلف عن لغة الفيلسوف او العالم و هذا التباين هو ما يميز كل كاتب عن الآخر حتى عندما يكون الموضوع واحد. يستخدم عمر طاهر في معظم كتاباته بما فيها كتابنا هذا لغة رشيقة يفهمها كل قارئ وأخاذة في عمقها وبساطتها في آن واحد، فهي لا تحاول ان تتذاكى على القارئ باستخدام مصطلحات معقدة، وفي نفس الوقت هي لغة حميمة تنقل المشاعر على أكمل وجه، وتقرّبنا من الحدث المحكِيّ أقرب ما يكون، فسريعا ما نرى انفسنا في ذكريات عمر طاهر ونعيشها كما لو انها حدثت معنا شخصيا، فتارة نتعلق بجدته ونحزن على رحيلها او نعيش سعادته في بيت العمة نبيلة او نخوض معه رحلاته المتعددة، او نتتبع لحظات طفولته مع صوت عمرو دياب في الخلفية، كل هذا كان ليكون بلا معنى لولا استخدام اللغة المناسبة، وبدونها كان القارئ ليتوقف عن اكمال الكتاب من اولى صفحاته لإحساسه ببعد الكتاب عنه.

ليس شرطا ان يكون كل كتاب مهم ممتع أو العكس، وفي اعتقادي أن الكتاب الذي قصده المتنبي في بيت الشعر السابق هو الكتاب الجامع للصفتين، وهذا ما يبدو جليّا في إذاعة الاغاني فهو يحقق حالة المؤانسة بامتياز، ويشعر القارئ بأن علاقة ما نشأت بينه وبين الكتاب وتأبى أن تنفك حتى بعد الانتهاء من قراءته، وبما أن الكتاب يتحدث عن الاغاني وهذا يزيد من ارتباطنا بالكتاب، فسيعشر القارئ بحلاوة ومتعة مضاعفة عند الاستماع للأغاني المشار إليها ولابد أن بعضها سيسمعه لأول مرة، ومع مرور الوقت والاستماع المتكرر سيحاول تذكر الذكرى المرتبطة بهذه الاغنية أو تلك، مما يدفعه لإعادة قراءة الفصل المرتبط بها، وهذا ما يحدث لي شخصيا منذ ان قرأت الكتاب لأول مرة قبل ثلاث سنوات تقريبا.

يمكن ان يستمر الحديث عن الكتاب طويلا او ربما تناول فصول بعينها، كالحديث عن الرابط المعقد بين القصص وراء الاغاني و ذكريات عمر طاهر، فمثلا قصة حياة المغنية نجاة علي قريبة جدا من حياة العمة نبيلة او كيف يمكن ان نتخيل قصة كاملة للفتاة ساكنة المدينة القديمة في بنزرت تحاكي كلمات اغنية بختة التي كانت تسمعها، ولكن لكل شخص تجربة مختلفة ويجب ان نترك الحرية لكل قارئ في تجربة و اكتشاف الاغاني والقصص ورائها، فالقراءة فعل مرتبط بحياة الانسان وثقافته ولكن من المؤكد ان الجميع سيجد المتعة التي يبحث عنها.

Facebook Twitter Link .
1 يوافقون
اضف تعليق