"عن رواية إنجيل بيسوا لحسام سيد"
اسم العمل: إنجيل بيسوا
العنوان الفرعي: أن تولد من رحم لحظة بعينها.
اسم الكاتب: حسام سيد.
نوع العمل: رواية.
دار النشر: معجم للنشر والتوزيع.
تدقيق لُغويّ: تدقيقه ممتاز.
اللّغة: العربيّة.
نوع الرَّاوي: راوي عليم.
عدد الصفحات: ٢٩٧ صفحة.
**************
_نبذة عن العمل "ملخصه":
أن تقرأ رواية تظنها للوهلة الأولى تندرج تحت مصنفات أدب الجر.يمة، وعلى خلاف كل الجرا.ئم المعتادة؛ يتم البحث عن سببها المجهول وليس مرتكبها، لأنه وجميع الأركان معلومين؛ القا.تل والقتـ.يل وحتى كيفية القـ.تل، ربما لأنها ليست رواية جر.يمة فقط!
في إطار فلسفي درامي نفسي تدور أحداث العمل بهدوء عاصف؛ حيث الخبايا التي تظهر تدريجيًا بمرور الصفحات.
جر.يمة ارتكبها شاب اهتزت لها أرجاء المدينة، ولم يكفِ للتحقيق فيها ضابط متخصص، بل استُدعي من أجلها طبيب نفسي شاب ولواء متقاعد؛ للبحث عن سبب ارتكابها، وخلال رحلة البحث تنكشف عدة أمور معقدة في حيوات أناس عدة، كلها تخدم الحبكة.
***************
_الاسم:
"بيسوا" الذي لا أعلم هل هو الإلهام الذي أدى لكتابة تلك التحفة الفنية، أم هو عنصر قد جاء ليخدم الأحداث، لكنه كان مؤثرًا إيجابيًا عظيمًا، وكان مثاليًا كفاية ليتم اختياره كجزء من العنوان.
كنت أود لو سبقته كلمة "منهجية" أو "مشهدية" التي استعملت مرارًا في العمل، كانت من وجهة نظري ستناسب أكثر من كلمة "إنجيل"؛ لأن لفظ "إنجيل" دفعني للتفكير بأن الرواية دينية، وبما أنني لا أنتمي للديانة التي أتى بها فلم أكُن لأطالع العمل اصلًا، لولا ترشيح صديقتي، أدرك أن لفظ "إنجيل" هنا أتى للإشارة إلى الاهتداء ببيسوا ودلالاته، وأعلم أنني قد أبدو سطحية، وقد تبدو وجهة نظري قاصرة، وربما أنا مخطئة، لكنه رأيي.
**************
_الغلاف:
مع أن صورة الغراب الأبيض استوحيت من داخل العمل، إلا أنني رأيتها كحمامة سلام لا تناسب الأحداث الملحمية التي تدور بين دفتي الكتاب، وأرى أن الغلاف كان بحاجة إلى أن يكون أقوى وأكثر تعبيرًا ليليق بالعمل.
***************
_الأسلوب:
حاولت كثيرًا أن أتأنى في قراءة هذا العمل لأحظى بأكبر قدر ممكن من المتعة، لكن الأسلوب المبهر الذي انتهجه الكاتب جعلني خلال تداركي للصدمات أجهز عليه دفعةً واحدة.
***************
_اللغة:
التجربة الأولى لي مع الكاتب، والتي أثمرت عن انبهار من جهتي بقوة اللغة وسلاسة توظيف المفردات واختيار التعبيرات الأنسب.
- التدقيق:
العمل مدقق بصورة ممتازة؛ لغويًا وإملائيًا، حتى علامات الترقيم التي تقع من الأغلبية لم تصادفني هنا، ولهذا لن أغفل مجهود الكاتب، ولن أبخس عمل المدقق؛ فكلاهما اجتهد لتقديم العمل على أكمل وجه.
- السَّرد:
كان فصيحًا عميقًا، وأنا أحب السرد العميق الذي يقحمني في الأحداث رغمًا عني، ورغم أنه لم يكن بلسان الأبطال، إلا أنه أوصل إليّ مشاعرهم دون نقصان، وما أثار إعجابي هو إتقان الكاتب لكتابة عدة صفحات سردية دون جملة حوار واحدة ومع هذا لم أشعر بالملل، وهو الأمر الذي يعجزني ككاتبة.
- الحوار:
كان في مكانه، فلم تأتِ جملة حوارية واحدة كثرثرة بلا فائدة.
***************
_الفكرة والحبكة:
اختار الكاتب فكرة مختلفة صاغها بطريقة مميزة، متقنًا حبكتها دون السماح لشيء ما أن يخل بهذا الإتقان، بل جعله يسير على وتيرة واحدة من البداية وحتى النهاية.
***************
_الشخصيات:
دارت الرواية حول لغز "أحلام سعدون" الذي بحث عنه ابنها "عامر"؛ ليستدعي من يعينه على حله.
"على المسيري" حامل شفرة اللغز، وصانع الحبكة، والشخص الغامض..
علي الذي لم يمنعه سنه من الشعور بالتصابي، والذي لم تنطفئ شهوته رغم عمره المديد..
علي الذي أراد فتىً مثله صياد ماهر لا يخطئ فريسة أرادها أبدًا..
علي الصياد الذي لم يمل من اصطياد الفرائس، حتى وقعت بين يديه الفريسة المثالية، والتي اكتفى بها واعتبرها خاتمةً تليق بصياد مثله!
"عامر" العملة ذات الوجهين، التي لا يعلم وجهها الحقيقي إلا قلة، حقيقته التي لم تشفع له، ولم تنفِ عنه إثم القـ.تل وذنبه..
عامر الشخصية السيكوباتية، والبريء قارئ القصص، ومعجب بيسوا الكاتب..
عامر الصياد الأصغر الذي سار على نفس الخطى حتى وجد الفريسة المثالية هو الآخر، ليجهز عليها في بث مباشر أعلن فيه اعتزاله بها..
عامر الطفل الصغير الذي لم يرَ حب أمه ولم يدرِ لماذا قد تكرهه، لكنه عكف على البحث عن سبب يدفعها للرحيل وتركه، فمهما كان، لن توجد أم أنانية بهذا الشكل إلا وكان ورائها سر أكبر منها، وأكبر من طاقتها للبقاء، ذاك السر الذي كان سببًا محركًا له ليجـ.ني على فريسته، ورغم أن معايير اختياره لتلك الفريسة لم تكُن لها علاقة ببحثه الذي دأب على محاولة حله، إلا أنها كانت عاملًا مساعدًا قويًا للوصول إلى مراده.
"أحلام سعدون" المرأة المتمردة التي لم تتقبل فكرة أن تكون مجرد فرد ضمن القطيع، والتي لم ترضَ أن تساق إلى زيجة تأباها نفسها، والتي اختارت النجاة بنفسها دون أن تدري أنها تقود نفسها إلى الهلاك..
أحلام الأنثى التي تهافت على حبها من يناسبها ومن يمنعه عنها دين أو عمر، بل كان الجميع يقع في غرامها رغمًا عنه..
أحلام الأم التي لم تستطِع أن تجهر بحبها لطفلها الوحيد، بل أحبته خفية في الظلمة..
"فريد عبد الحي" الطبيب النفسي الشهير الذي ذاع صيته بمثلجاته وحلوله للجر.ائم الجنا.ئية بفطنته وخبرته النفسية رغم أنه لم يكُن يبدو أكثر من مهرج..
فريد الطفل المفضل لدى أمه، وابن أخيه الذي لطالما سعى لأن يكون سعيدًا ابتغاء مرضاة أمه حتى أحب سعادته حقًا..
فريد المعاقَب على ذنب لم يرتكبه، أو يرى نفسه قد ارتكبه بارتكاب آخر لم يقصده..
فريد الأب الذي لم ينجب، والزوج الذي عاش أعزبًا.
"اللواء عطية عواد" الرجل الحازم الذي يغلبه لحن بسيط، وتحرك دواخله امرأة كانت يومًا له، ويحزنه أنه لم يستطِع إنقاذ ابنه..
عطية الفتى المراهق الذي يقف على أعتاب الوصول لحبيبته، وفي نفس الوقت يخشى العبور إليها..
عطية الصديق الوفي والوحيد لفريد عبد الحي.
"عزت عبد الحي" الذي غلبته أخوته وأبوته وهزمته أحلامه بأمه، ودفتر يحوي ثمانين حلمًا جعله يرى ما الذي ترك أخاه فريسة له.
"الرجل ذو الندبة" الشخصية الخيالية التي لم تكُن تفعل شيئًا سوى حمل قطة، والتي ساعدت فريد في حل كل ما وقف أمامه رغم عدم وجودها.
"مالك أبو عميرة" الرجل الذي احترت في ولائه؛ هل هو للمسيري الكبير أم الصغير، حتى وصلت للنهاية واكتشفت أن أبوته غلبته، وغير ولائه معطيًا إياه لمن بث الطمأنينة في قلب ابنه يومًا.
"طه" المريض النفسي، و "خالد" تابعه الأخرق..
"كوثر" المغلوبة على أمرها، و "عنبر" شعلة الانتقام..
"نادية" البعيدة القريبة، و "هند" الزوجة والأم التي ساقتها مشاعرها، و "نادين" الفتاة العمياء طيبة القلب صاحبة اللآلئ، و "رفعت" الشاعر المرهف، والزوج المحب..
"فرناندو بيسوا" الملهم الذي جعلني أنتبه لأندادي كما فعل مع عامر وغيره، والذي لولاه ربما لم تكن هناك "إنجيل بيسوا" العظيمة.
تلك كلها شخصيات؛ منها الحقيقي ومنها الند، رسمها الكاتب بحرفية لتؤدي دورها بمهارة شديدة؛ تمامًا كما رُسمت!
***************
_النهاية:
عادلة سعيدة؛ وكم شفت النهاية غليلي وأطفأت ثورة الرغبة في الانتقام التي قامت داخلي، كما رسمت الابتسامة على وجهي كون السعادة قد حلت أخيرًا بعد صفحات من الحزن.
***************
مميزات العمل "الإيجابيات":
١- إتقان الحبكة على مدار صفحات العمل.
٢- اختلاف الفكرة وطرحها بأسلوب مميز.
٣- عمق السرد وقوته.
٤- الموازنة بين الشخصيات رغم كثرتها.
٥- الاقتباسات الرائعة التي تم الاستشهاد بها كما يناسب المشاهد.
٦- تفوق عنصر البلاغة بشكل واضح.
٧- كون النهاية عادلة.
***************
المآخذ على العمل "السلبيات/ العيوب":
أعلم أنه ما من عمل كامل، لكنني لم أضع يدي هنا على عيب يذكر، بل أسرني العمل بأكمله واختطفني مني لأندمج بداخله.
***************
الآراء المهنية "وجهة نظري الشخصية":
العمل عظيم أدبيًّا، خرجت منه منبهرة بكم الإيجابيات التي حصدها؛ من روعة البلاغة وعمق السرد وإتقان الحبكة وطريقة صياغة المشاهد خصوصا الانتحا.رية منها.
***************
وقفات مع اقتباسات راقت لي:
❞لا يولد المرء إلا من رحم لحظة بعينها؛ يذوب كل ما قبلها، في حين تؤسس تلك اللحظة لكل ما يليها❝
لكل منا لحظة يدرك أنه ولد شخصًا جديدًا بعدها، شخص لا يشبه نفسه القديمة أبدًا.
❞لا يوجد فنان لا يتوق إلى شرح عمله، كل فنان يحتاج إلى أن يُرى، أن تُفهم كل تفصيلة اختارها بعناية❝
أدرك صدق تلك المقولة، فالكتابة نوع من أنواع الفن، وأنا كاتبة تهوى شرح تفصيلات كتاباتها بشغف لا ينضب.
❞لا تنظر إلى الخلف، لا تنظر إلى الفريسة التي أفلتت، هناك فريسة مستقبلية تستحق انتباهك❝
هناك شخصية كرتونية شهيرة تقول "لو ركزت عاللي ضاع منك عمرك ما هتشوف اللي بيستناك"، فعلى المرء أن ينظر دومًا للأمام.
❞لا يوجد صياد لا يحتاج إلى تذكارات من صيده، لو لم يوجد تذكار، فالصيد كأنه لم يحدث❝
الصيد صبر، والغنيمة دلالة عليه، لو لم نفُز بالغنيمة فنحن لم نصبر كفاية.
❞للحب لغات شتى؛ تنطقها الأرواح فتأتلف، وتجهلها فتختلف❝
كم تجاذبت أرواح محبة وتنافرت أخرى رغم أن طرفي الاثنين لم يكونا على معرفة سابقة، هذا لأن الروح ليست بأيدينا.
❞عليك أن تقرأ الفن شعرًا أو رواية مرات، ليحتضنك العالم الخيالي، وتتخفف من العالم الواقعي❝
عظيم أن يقرأ المرء، أن يعيش حيوات عدة غير حياته الوحيدة البائسة، وأن ينفصل عنها في عوالم تلك الحيوات.
❞ الشر من لزوميات العالم، يُمكن أن يمقته قلبك، لكن لا تطلب عالمًا يخلو منه ❝
لطالما انتصر الخير في الأعمال الوردية، لكن هذا لم ينفِ أبدًا وجود الشر، والذي هو باق حتى قيام الساعة.
❞كل جمال يخبو، كل جمال يموت❝
لو كان الجمال وحده الداعي للارتباطات، لما بقيت علاقة على وجه الأرض.
❞لا توجد خطة للتعامل مع الحزن❝
الحزن يقتحم المرء هكذا بلا مقدمات، دون أن يعطيه فرصة حتى لإعداد عدته، وفي النهاية على المرء أن يصمد أمامه.
***************
إجمالًا:
إنما كان العمل بديعًا بما تعنيه الكلمة؛ دسمًا كفاية حتى أن الكلمات تعجز عن إعطائه حقه، لكننا نظل نحاول إظهار الأعمال التي تستحق، ولو بشكل بسيط مثل مراجعة متواضعة كتلك💙!
#مجرد_وجهة_نظر.
#زينب_إسماعيل.