لا أظن أنه هناك شعورا أكثر بؤسا من خروج كلمات الأسف والندم من فم الضحية...
الضحايا، على أغلب الظن يلعبون دوران، دور المجني عليه والجاني؛ فهي لم تكن محتشمة، وهو أطال شعره وعقفه كذيل حصان، وذلك أرتدي قميصا ورديا وتلك تحب ممارسة الرياضة والسباحة وكلها إشراق وتفاؤل بالحياة... يالوقاحتهم!
أهم حقا جناة!
جناة خلقناهم، وتعمدنا تناسي الجاني الحقيقي، الجاني الذي تجاهلناه لسنوات وعقود فتمادي واستفحل وفاض بطشه ليطال الجميع ، فما كان من فريسة (لحادثة قديمة) ضحية مجتمع لا يواسيها إلا بوابل من الاتهامات إلا لتنتفض وتقتص وتعيد لقوانين الحياة اعتدالها...
تناولت الكاتبة ميرنا المهدي في روايتها قضية شديدة الأهمية، وهي الاعتداء الجن سي بشتى صوره وأشكاله ورد الفعل المجتمعي تجاهه. سلسلة من الاعتداءات طالت الجميع على اختلاف شخصياتهم وميولهم، والنهاية واحدة، خلق أشباح تحارب الخوف والوحدة والاكتئاب.
العمل حزين بلا شك، والنهاية صادمة ولكنها منطقية،
و تلك النهاية ماهي إلا تراكمات لسلسال طويل من الظلم والقاء الاتهامات جزافا على كل ضحية وتهميش بل والصفح عن كل معتدي...
تلك الحوادث لم تُروى بشكل دقيق ومفصل، بل كل ماتبعها من انكسارات وجروح ومآس ، لتلقي الكاتبة الضوء على حجم الفاجعة، مستدعية روح الضحايا الذين طالتهم تلك الأيادي الآثمة لتقول (نحن معكم، نفهم ماحل بكم بل وسنشارك العالم كله حجم مأساتكم)
وهنا يكمن الجمال الحقيقي للنص، فبعد الرسم المفصل الرائع للشخصيات وتسلسل الأحداث وتواترها، واستدعاء الماضي بمحطاته المهمة، جاءت فكرة العمل مكتملة النضج والوضوح
راسخة ثابتة تبحث عن كل قارئ ذو ضمير، ليحمل على عاتقه تغيير ذلك الفكر العطن الذي طال ما طاله منا لسنوات...
ميرنا المهدي تفوقت في كتابة الأعمال البوليسية بحثا عن الجاني، وفي هذا العمل ألقت الضوء على الضحايا، نوع آخر من الأعمال البوليسية إن صح الوصف، تخلله ظهور لطيف محبب لنوح وقطز أبطال سلسلة نوح الألفي...