أرق بين العلمين
نشأت يونس
كتوبيا للنشر والتوزيع
2024
500صفحة
⭐️⭐️⭐️⭐️
■ أقاسي ويلات عالم ظالم عنصري في كل الأعراف، لا يرى في وجهي إلا هجين ابن سفاح، أو على الأقل نتاج خطأ فادح. فلا يتقبلني العالم الأبيض بغطرسته، ولا يتقبلني ثرى هذه البلاد وطينه، رغم أنني من المفترض سليل وجهاء أو نبلاء بكلا العالمين.
حينما بحثت عن اقتباس يعبر عن روح الرواية تبدى لي هذا المقطع يتهادى من بين السطور وكأنه يخبرني بلسان حاله أن انا لها وقد كان فالرواية قائمة على التحولات التي حدثت للبطل وما عاناه ولعله عانى ما عانى جراء حادثة واحدة ابتدأ منها كل شر بالرغم من عدم قصد ذلك عنوة ولكنها اقدارنا التي كتبت علينا فلا تتغير فلولا كونه هجين لما عانى الامرين طوال سنوات عمره.
تبدأ الرواية بوصول كاثرين إلى موطنها بعد إنقطاع دام ل 50 عام بعدما مات ابوها وتبدأ بعدها سلسلة الفلاش باك التي تجعلنا نعرف ما السبب وراء هذا الغياب وكيف كانت حياتها وكيف أصبحت.
كانت كاثرين أبنة الكسندر براني تعيش في بلدة هوبار في تسمانيا باستراليا ولما كانت الابنة الوحيدة ووالدتها متوفاة والأب مشغول دائما بالتجارة والسياسة ولما كانت في سن المراهقة وعنفوانه قبلت بأول من رأت فيه الجرأة والأختلاف عما هو مألوف لديها ليشتعل فتيل الحب بينها وبين عبد المزرعة جاراه ولكن يتم الوشاية بها عن طريق مكيدة مدبرة بإحكام لاخضاع والدها واذلاله لتتحول من هذه اللحظة حياتها إلى المعاناة وتصبح أسيرة بعد أن كانت أميرة.
يقرر والد كاثرين ان ينتقم من كاثرين بأن يحبسها في كوخ جاراه حبيبها بعدما تم قتله وصلبه لأيام لترى نتيجة افعالها ولكن تكون الصفعة مدوية حينما تصبح كاثرين حامل لتمتد فترة عقوبتها إلى خمسة اعوام تظل فيهم حبيسة هذا الكوخ هي وخادمتها سيليا وابنها الذي اسمته جاراه ونسبته لابيها حتى يقايضها أبوها على أن تتزوج وترحل عسى ان يمحى عارها أو ان تظل حبيسة ولكن دون طفلها والذي سيحرص على الا تراه ثانية طالما هو حي فتخضع كاثرين لابيها في محاولة منها لإنقاذ طفلها مع وعد من أبيها بذلك.
يشب جاراه في كنف سيليا والتي تتكفل بتعليمه المسيحية وما هي العائلة والوطن وغيرها ولكن الطغل يستمر في انتظار امه متى تعود محاولا التواصل معها عبر الخطابات التي لا تصل سوى الى السيد الكسندر براني ليكون مصيرها الوحيد هو درج في مكتبه.
يكبر جاراه وفي كل مرحلة من حياته يجد الرفض والفقد فبدأ الامر بأمه تلتها سيليا ثم بينيامين ثم الحاج بكر ثم رنجو وعلي ورقة والكثير حتى اتته النهاية بعد طول معاناة.
تناول الكاتب فترة مهمة جدا بالتأريخ في ثوب رواية مما أدى إلى ترسيخ أحداث تلك الفترة وهي فترة الحربين العالميتين وبالاخص الثانية منهم والتي لولا سرد تفاصيلها في احداث الرواية لما استطعت تذكرها وربما استيعابها من الأساس حيث أني لا أفضل قراءة التاريخ البحت لصعوبة احتفاظي بالمعلومات.
جاءت الرواية باللغة الفصحى سردا وحوارا بألفاظ بسيطة وغير مقعرة كما اتسمت بالشاعرية في وصف شعور الشخصيات ازاء بعض المواقف مثل ❞ إنها كالدودة التي تستخدم طُعمًا للأسماك، مغروزة بلحم جسدها في خطاف سنارة معدني حاد مخصص لصيد الأثرياء السمان. ❝ ❞ لا زال عقد الفراق يخنق قلبه ويعتصره اعتصارًا بحبات حارقة من فقدان أمه، و(سيليا)، وموت الجرابي (بنيامين)، وقتل (شهاب) الجمل، والآن فقد الأب المعلم. ❝
كان الكاتب حريص على ذكر أمثلة متعدده للعنصرية بكل اشكالها فما حدث مع جاراه لا يختلف عما حدث مع أمين ومثلهم رقة وسميحة لوزة و عمر أبو طويلة كلهم كانوا من نفس النوع هجين في نظر من حولهم عليهم ان يكافحوا ويعانوا من اجل لحظة سلام لم تحدث برغم ما قدموه من تضحيات.
ناقشت الرواية الكثير من القضايا الهامة مثل ما هو الوطن؟ واين يوجد؟ وما هي العائلة؟ ومن هو الله؟ وكيف يُعبَد؟ وهل هو عادل أم ظالم؟ كما ناقشت قضايا الشرف والثأر وكيف أن السبيل الوحيد لحلهم هو الدم بالاضافة الى ايضاح طرق تجنيد العملاء وموقف الملك والبلد من الحrب واطرافها ودور بيوت البغاء في إدارة مقاليد السياسة والتأثير على البلاد وكيف أن الحقد والكراهية تتشعب لتخلق مسخ بلا مشاعر لا غالي لديه ولا عزيز هذا بالاضافة الي توضيح رأي المحتل ونواياه تجاه البلاد العربية حتى وإن كانت ليست طرف في النزاع وكيف كان تخطيطهم يهدف اللي المدى الطويل ويضمر الشر كالمعتاد كما حدث في الالغام التي زرعوها ❞ لا بد أن تظل تلك الألغام خنجرًا في خاصرة المصريين إلى الأبد، وعقبة في طريق إعمارهم لأراضيهم، أو على أقل تقدير أن تبقى ورقة رابحة في أيدينا للمقايضة في المستقبل، لنكسب استمرار خنوعهم لنا وخضوعهم ❝
تم رسم الشخصيات بصورة مُرضية لي فكانت كل شخصية محاكاة لذاتها وتتحدث بلسان مختلف عن غيرها وأكثر من أحببت فيهم كان الحاج بكر برضاه وصبره ومثابرته .
كانت الحبكة جيدة ومتتابعة وقامت بتغطية جميع الاحداث والتساؤلات في الرواية كما كانت مناسبة وواقعية فمثلا حينما أراد جاراه نصح علي بمسامحة رقة ذكر له مثال بسيط للرجل الذي اراد التوبة وهي قصة نقولها للأطفال اتسهيل استيعابهم كذلك كان جاراه حديث عهد بالاسلام وقصصه التي استقاها من الحاج بكر كما أتت النهاية واقعية فبعد كل هذه المعاناة والشرور من اين ستأتي النهاية الوردية .
أحببت تحقق نبؤة قرية الجناشات في جاراه وتنه سيأتي بالخير الوفير وتحقق نبؤة الحاج بكر أن أم جاراه ستأتيه ولو كان قصة أو رفات تحت شجرة او صخرة واكثر ما احببت كان رسوخ الخير في جاراه وعدم تلوثه بما عانى وعايش.
من المآخذ على الرواية:
● عدم اقتناعي بإمكانية خداع جاراه على يد كل من مونتجمري بتسريب الخريطة فالمفترض به الذكاء طوال الرواية وسرعة البديهة كيف لم يفطن إلى انه يؤدي بالقبيلة الى التهلكة كما انه تم خداعه مرة اخرى على يد إيان وكذلك لم يحسب حساب ما قد يفعله في سبيل الحصول على المستندات أضف لذلك خداعه على يد موسيماني والذي اودى بحياة رقة وجعل ولده يعاني ما بقي له هو وأمين من حياة.
● ظهور جاراه بدور المخلص للعالم من كل الأثام والشرور بطريقة تتسم بالمغالاة احياناً.
● اخيرا لم اجد سبب لذكر واقعة الاعتداء بين مونتجمري والكسندر وكأنها تم اقحامها في الرواية مثل بعض المشاهد +18 في الافلام حتى تزيد نسبة المبيعات.
■إقتباسات:
● أشار إلى قلبه بثبات قائلًا:
- الوطن هنا يا (چاراه)، وكذلك الدين والعائلة. أينما ذهبت فهو موطني. وطني حيث يحتاجني الناس وحيث أفيدهم وإن جهلوا. رسولنا قال: «إن الله كان في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه».
● فلدينا في مصر أجيال من الحكام والقادة المصريين الخانعين لنا، حتى المعارضين لوجودنا فيها يستمتعون بمقاومتنا في إطار ما نسمحه لهم، حتى أغلب الشعب المصري تربى تحت قبضتنا سنين ولا يعرف سوانا أسيادًا عليه.
● تلك هي الحرب يا صديقي، لا يوجد حرب قذرة وأخرى نظيفة، الحرب هي الحرب.
● أمي هل أنا مذنب بالأرق، أم أن الأرق لعنة من لعناتي؟ أرق لازمني طوال حياتي منذ تبخر دفؤك من فراشي، ونمى الأرق معي كلما كبر جسدي وفهم عقلي ورق قلبي في كل محطة من حياتي. والآن أنا جائع لأستريح من ذلك الأرق، أريد أن أغمض عينيَّ مرة أخيرة بدونه، لأجد نفسي في عالم آخر أستريح به طويلًا ودائمًا، راحة بلا انقطاع، عالم بلا حروب، بلا أحقاد، بلا عنصرية، بلا أرق!»
#أبجد
#أرق_بين_العلمين
#نشأت_يونس