"ستسلبك حياتك وكل ما يجعلك أنت وكل عزيز لديك، ولن تترك لك شيئاً إلا الغيوم والضباب. ستسلبك فرحتك، وسيأتي يوم تصحين فيه لتجدي نفسك بلا قلب أو روح. قشرة ستُصبحين، سراباً ستصيرين، شيئاً ليس أكثر من حُلم يتلاشى عند الاستيقاظ، أو ذكرى شيء منسي".
هكذا حذرت أحد الأرواح المحبوسة كورالاين من مصيرها التي ستواجهه، تحذير من واقع المعاناة التي يعيشها، خوف يغلف كل شيء، وفكرة أن تعيش في العدم بلا هدف أو رغبة لهو أشد عذاب مُمكن لإنسان، وخصوصاً لو كان طفل، ولكن، ما الذي أتى بنا إلى هنا؟
بداخل كل شخص -مهما كبر سنه- طفلاً محبوساً في جدران قفصه الصدري، ذلك الطفل يحثنا دائماً على قراءة قصص لا تُناسب أعمارنا، بحثاً عن طفولة غير مكتملة، وعن مغامرات لم نعشها ولن نختبرها، ومن تلك المغامرات، جاءت كورالاين، الفتاة التي تشعر بأنها أكبر من عمرها، فهي تعرف نفسها بأنها مستكشفة، فهي طفلة وحيدة تُعاني من الملل ووسط إنشغال والديها بأعباء أعمالهم الطائلة التي لا تنتهي، تجد نفسها في مغامرة لكي تنقذهم، بل وتنقذ نفسها أيضاً.
يُعيد "نيل جايمان" في روايته "كورالاين" تعريف الشجاعة أو على الأقل يعطينا منظوراً جديداً لها، فالشجاعة هي أنت تدخل إلى كمين عالماً بأنه كمين، حتى وأنت خائف، هذه شجاعة، أنت تفعل ذلك من أجل الأخرين وليس من أجلك، فهو شجاعة، أن تُضحي بملذات وعجائب وسحر لأنك تريد حياتك القديمة المملة لأن فيها الأشخاص الذي تُحبهم هذه شجاعة بكل تأكيد، و"كورالاين" كانت نموذجاً جيداً للشجاعة برغم عظيم خوفها.
رواية مقبضة للكبار فما بالك بالأطفال؟ خيال سوداوي لا أعلم كيف يُمكن لطفل أن يقرأها ولا يرتعد جسده، فطريقة "جايمان" لكتابة الرعب فعالة، وكل تلك القتامة تُعوضها النهاية بشكل مرضي، وأعلم جيداً أن "جايمان" كبح نفسه مراراً وتكراراً ليُذكر نفسه بأنه يكتب رواية أطفال لابنتيه.
أتساؤل دائماً لماذا ينقص هذا النوع من الأدب في عالمنا العربي؟ لماذا نخاف من السحر والخيال؟ لماذا لا نجعل أطفالنا يحلمون ويتخيلون؟ هذه الرواية جعلتني أتمنى أن أكون كاتباً، لكي أكتب قصة عربية للأطفال تسحرهم وتجعلهم يتخيلون.