قرأت هذا العمل لأجد أمامي كاتبا متميزا، متمكنا من أدوات الكتابة. لغة عربية جزلة.. ليست سطحية ولا متقعرة.. وأسلوب جذاب قادر على ربط الكلمات ببعضها.. هناك العديد من الجمل التي توقفت عندها والتي تعكس أفكار أبطال الكاتب أو تعكس أفكاره الكاتب شخصيا. ومن الواضح أيضا تأثره الشديد بالأديب الكبير نجيب محفوظ.

عاشق ومعشوق..هذا هو عنوان الرواية.. وهو عنوان شديد العبقرية.

استخدم الكاتب اسلوب التورية، أحد أجمل أساليب البلاغة في اللغة العربية.. يحوي معنيين.. معنى قريب غير مقصود ومعنى بعيد وهو المقصود.. ولكننا لا نعرف أيهما البعيد وأيهما القريب؟

هناك المعنى الخاص في عمل النجارة، وهو إدخال القطعة البارزة من الخشب في قلب تجويف القطعة الأخرى كي يحصل التلاحم.. وهو معنى مقصود لأنه محور القصة الأساسي.. التلاحم بين أفراد العائلة أو الأسرة الواحدة..

والمعنى الآخر هو المعنى المتولد من العاطفة البشرية.. العشق وهو فرط الحب. وهو معنى مقصود أيضا.. فكل نجاح لفرد متولد من عشق الفرد للشيء الذي يعمله.

وهنا ينقلنا إلى فهم لماذا ذكر الكاتب بعض النماذج البشرية بالذات في العصر الناصري مثل أبو رجيلة ومحمد فوزي..هؤلاء أناس عشقوا أعمالهم فتميزوا وبرزت معهم أعمالهم.. تماما مثل عمل الأرابيسك.. الأرابيسك ليس عمل نجارة فحسب.. بل هو بناء قائم على الفن .. والفن – أي فن - هو نتاج جمالي قائم على العشق والتفنن فيه.

هناك زمان كان البناء يتم مع إضافة لمسات من الجمال.. ومع تطور الزمن الأغبر.. سادت موضة الهدم لكل جميل ثم لإبقاء الهدم على ما هو عليه أو الأسوأ.. والسبب.. سنعرفه,

لدينا العديد من الشخصيات أغلبهم من أبناء الأسرة الواحدة.. تتفرق أفكارهم وميولهم رجالا ونساء على نحو لا نراه في رب الأسرة نفسه..

الأفكار ترف فكري.. لا يقدر عليه إلا من خصص له وقتا لذلك..

وقد كان رب الأسرة سليمان ليس لديه سوى فكر واحد.. السعي وراء الرزق فقط.

لربما كان هذا هو السبب الرئيسي في موجة الهدم الكاسح لكل جميل.. السعي وراء الأسباب التي قد تجعلك حيا فحسب.

لكن من هو صاحب الأفكار الصحيحة في خضم كل تلك الأفكار والمشاعر المتلاطمة ؟

يشير الكاتب إلى ذلك في الصفحة الأخيرة من الرواية!

أعتمد الكاتب على أسلوب الحكي بطريقة التحدث عن كل شخصية بفصل منفرد (على سبيل المثال كرواية ميرامار لنجيب محفوظ) ومن ثم لجأ إلى الأسلوب العنكبوتي بين أحداث كل شخصية، فتكمل كل واحدة الأخرى في ترابط العاشق والمعشوق..

ولكني أعتقد أنه قد أخطأ حينما استعمل ضمير المخاطب في كل الفصول.. إذا أردت فعل ذلك فيجب أن يكون هناك لكل شخصية من الشخصيات أسلوبها الخاص ولغتها المميزة.. وهذا أصلا ليس بالشيء السهل على أي كاتب.

أما بالنسبة لأسلوب الحكي.. فقد ذكرني بأحد الأفلام الأمريكية.. الفيلم مدته ساعتان.. الساعة والنصف الأولى.. المشاهد يرى شخصيات وأحداث ولكنه لا يفهم شيئا على الإطلاق..

من هذا ؟ ولماذا يفعل ذلك؟ ولماذا هذه تبكي؟.. إلخ..

وفي النصف الساعة الأخيرة يتم الشرح..

قد يعجب بعض الناس بهذا الأسلوب في السرد، ولكني لا أحبه..

فأنا اقرأ أحداثا وأرى شخصيات عديدة مما قد عرضني للتوهان. فبعد نصف الرواية تقريبا تبدأ الأحداث في الإتضاح.

هناك شيء آخر حال دون استمتاعي الكامل بالرواية.. فقد شعرت وأنا اقرا النسخة التي بين يدي بأنني أمام مسودة وليست النسخة النهائية.

وكما ذكرت في البداية..هذه هي القراءة الاولى لي للكاتب أحمد ربيع..

وإن شاء الله لن تكون الأخيرة