"إن مصر تأكل بنيها بلا رحمة. مع هذا يقال عنا إننا شعب راض.. هذا لعمري منتهى البؤس. أجل..غاية البؤس أن تكون بائساً وراضياً."
نجيب محفوظ لا يتورع ولا يهدأ له بال، حتى يصب لك البؤس صباً، كأساً تلو الآخر، حتى تشعر أنك لن تتأثر بعد ذلك، فتتفاجئ أن كل كأس يحمل مرارة مختلفة، أشد ألماً، وبؤساً.
كيف تُكتب رواية تصلح لجميع الأزمان؟
تبدأ الرواية بالموت، لتقع العائلة المُصابة في فقر مُدقع، تقشف يصل إلى حد تغيير نوع الأكل، وبيع بعض قطع الآثاث، وجعل الأخت الوحيدة تعمل كخياطة رغم الوصمة الاجتماعية لهذه المهنة في ذلك الوقت، أصدقاء الأب الفقيد؛ يُشفقون على العائلة، فيحاولون المساعدة بطرق غير مباشرة، كإحسان لسيرة الأب التي تبدو طيبة، فتقبل الأسرة للاحتياج، فكسبوا القوت، وخسروا الكرامة، ولكن من قال أن الفقر يأتي لك وحده؟ أنه يجعل روحك حتى فقيرة، فلا تستطيع أن ترفض حسنة، أو إشفاق، تقبل حتى لا تموت! تقبل حتى تعيش! من صاحب النظرة الثاقبة الذي قال "لو كان الفقر رجلاً لقتلته!"؟ لماذا لا نصنع له تمثالاً؟
"لو كنا نقتصد في أحلامنا، أو كنا نستلهم الواقع في خلق هذه الاحلام، لما ذقنا طعم الاسف أو الخيبة."
ثم يأتي الأمل وسط الفقر، بمرور الوقت تتحسن الأوضاع أو تبقى سيئة كما هي فلا تسوء أكثر من الوضع الحالي، فنتعشم، وبعد العشم لا نجد إلا المرارة والحسرة، أننا توقعنا أن الحياة ستبتسم لنا، دعني أخبرك سراً يا عزيزي، الحياة تكفر بالبسمة لمن يحتاجها، يُمكنها أن تجعلك تأمل وعندما تظن أنك ستحقق، عندها فقط، ستعطيك أكبر صدمة في حياتك، ورُبما تُخبرك ساخرة، أن الحياة ليست للجميع، هناك فئة لا بد أن تتجرع البؤس مراراً وتكراراً حتى تفقد كُل شغف مُمكن، فتصبح خاوية الروح، وعندما تصبح خاوي الروح يُمكن أن تفعل أي شيء عكس مبادئك، من المُمكن أن تمتهن الإجرام وبيع المخدرات، من المُمكن أن تبيع جسدك، لأن الحياة لا تعطيك حُباً إلا بهذه الطريقة، وهناك من سيظن أنه يستطيع محو الماضي، لأن الحياة فقط أعطته نصف ابتسامة.
لماذا يستطيع نجيب أن يضعك في البؤس بكلماته وحكاياته بكل تلك القسوة؟
ختاماً..
هذه حكاية مؤلمة، قاسية، ستجد أحياناً وأنت تقرأها بعض الأمل قادم بقرب النهاية، لا تتعشم، هذه الرواية كالحياة، فقط ستعطيك نصف ابتسامة، وأنت تعرف الباقي.
بكل تأكيد يُنصح بها.