قرأت سابقًا للكاتب نفسه رواية الف شمس ساطعة وكانت من أجمل الروايات التي قرأتها وجعلتني أقرر وضع بقية كتبه في خطتي، وبدأت في الاستماع للإصدار الصوتي من عداء الطائرة الورقية منذ فترة طويلة وتوقفت ثم عدت إليها مرة أخرى، ولكن في كل تلك الفترة لم أنسى الكثير من كلماتها ولم أشعر بالملل أبدًا.
تحكي الرواية عن الحياة في أفغانستان ما قبل حكم طالبان وما بعده، من خلال الطفلان أمير وحسن ووالد أمير رجل الأعمال الثري، حسن يعمل في منزل أمير ولكن الأب يعامله وكأنه أبنه مما كان سبب في غيرة أمير مع الوقت، كان حسن هو عداء الطائرة الورقية الأفضل في الرواية، في كل الأحداث التي حدثت كنت أشعر بالشفقة عليه، كنت أشعر بطيبة قلبه جالية في الأحداث حتى وأن اختفى من منتصفها تقريبًا.
غيرة أمير تجعل الشر يتملك منه ويكون سبب في حدث ما نتيجته أن يرحل حسن عن المنزل ولا يعرف شيئًا عنه بعد ذلك، تاليًا يهرب أمير ووالده إلى أمريكا بعد أن يدخل الاتحاد السوفيتي إلى أفغانستان، دائرة مرعبة من الغربة والخيانة وخيانة الصداقة عاش فيها أمير، تخيل أنه حين يبتعد عن مكان حسن سيتحسن الوضع ولكن ظل يعيش بذنب لا يستطيع نسيانه أبدًا.
توفى والد وتزوج من فتاة أفغانستانية قابلها في أميرة كان والدها على معرفة بوالده، مرت سنوات ولم ينجب الأطفال، تخيل أن هذا هو عقابه، ولكن عقابه كان في المعرفة، في الأسرار التي كُشفت بعد ذلك وفي ضرورة أن يعود مرة أخرى إلى أفغانستان في ظل حكم طالبان، أن يعيد على عينيه وذاكرته كل تلك المشاهد والحياة السابقة وكل الأذى الذي سببه وما حدث لحسن نتيجة لذلك، والأهم ما حدث لأبن حسن نفسه الذي كان سبيله الوحيد للتكفير عن ذنبه السابق، هل كان الطفل بالفعل سبيل لتكفير الذنب أم كان محبة خالصة للطفل ذاته ولصلتهم معًا؟
كان الطفل سهراب هو الصورة التي استطاع الكاتب بها أن يوضح الماضي والمستقبل ما حدث وما سيحدث ربما كان رمز الأمل والألم في الوقت نفسه داخل الأحداث وحتى خارجها على أرض الواقع، هذا الطفل كان رمز بكل تأكيد.
عاد أمير إلى أفغانستان أخرى غير التي تركها قبل سنوات ولكن الغريبة أنه هو نفسه كان شخص أخر، ذهب لاكتشاف نفسه من جديد، عاد وحده دون حماية أبيه، ودون صداقة حسن، ولكن كان يحمل فقط الشعور بالذنب وثُقل الأسرار التي كُشفت الآن.
*طوال أحداث الرواية وأنا مشاعري تتأرجح ما بين الحب والكره، الشفقة والقسوة، الوفاء والخذلان، الصداقة والخيانة، وهذه أيضًا كانت الدائرة التي تدور فيها مشاعر الأبطال جميعهم فكنت أدور معهم، كنت أرى الأبطال أمام عيني واسمعهم في أذني، كنت أعرف في كل كلمة أن الكاتب يهدف دائمًا إلى رسم المجتمع الأفغاني بصورته الحقيقية في رواياته جميعها، وليست تلك الرواية وحدها، في الرواية السابقة التي قرأتها له الف شمس ساطعة سلط الضوء على معاملة المرأة وعدم تقديرها وقهرها، وفي تلك الرواية سلط الضوء على المجتمع ككل وبشكل واضح على معاملة الأيتام والملجأ التي تمتلئ بهم وصعوبة تبني طفل في هذا البلد الفوضوي الذي تنتشر الهمجية والقسوة في كل شبر فيه.
*اقتباسات:
"عندما تقتل رجلاً، فأنت تسرق حياة، تسرق حق الزوجة بزوج، تسرق أباً من أولاده، عندما تكذب، تسرق حق شخص في الحقيقة، عندما تغش، تسرق حق العدالة، ليس هناك شر كالسرقة.."
- "تساءلت متي و أين أصبحت قادرًا علي إحداث هذا القدر من الالم."
-"عندما تملك ثم تفقد أكثر إيلامًا من ألا تملك أصلًا"
-"الأطفال ليسوا كتب تلوين. لا يمكنك أن تملأهم بألوانك المفضلة"
-"التدبر رفاهية عندما يكون رأسك مسكونا بحشد من العفاريت لا تكف عن الطنين"
-"تساءلت إن كان الغفران ينمو على هذا النحو، ليس برؤيا صاخبة، وإنما بالألم وهو يلملم متاعه ويحزم حقائبه، و يتسلل في منتصف الليل راحلًا بلا إعلان"