"إنني أريد أن آخذ حقي من الحياة عنوة، أريد أن أعطي بسخاء، أريد أن يفيض الحب من قلبي فينبع ويثمر، ثمة آفاق كثيرة لا بد أن تزار، ثمة ثمار يجب أن تُقطف، كتب كثيرة تُقرأ، وصفحات بيضاء في سجل العمر، سأكتب فيها جملاً واضحة بخط جريء.."
قبل أن أقرأ رواية "موسم الهجرة إلى الشمال" للكاتب السوداني "الطيب صالح"، التي نُشرت لأول مرة بعام 1966، كنت أظن أني سأقرأ رواية ذات لغة عتيقة، ذات سرد بطيء ويأخذ الطبع الكلاسيكي، الهادئ، وإن كان ذلك الطبع موجود بالفعل، ولكن الأحداث والأفكار والشخصيات كانوا لامعين وبراقين، وعلى الرغم أن الرواية 150 صفحة، ولكنها تحمل تنوعات عديدة على مستوى الرمزيات والأفكار، والشخصيات، أنت ستقرأ هذه الرواية، وتخرج منها ولن تنسى "مصطفى سعيد" أبداً، الكاتب حرص على ذلك وليس فقط من تكرار اسمه عشرات المرات، ولكن لأنها شخصية جذابة، بخلفية مآسأوية، ودعني أقول وبحياة أيضاً بائسة، بتقلباتها المُختلفة.
قد يرى البعض إنها رواية عن شخص ينتقم جنسياً من نساء مُحتليه، وقد يرى البعض إنها محاولة للانسلاخ من منشأك، وأن تنبت في أرض أخرى، قد تكون رواية رمزية، ولكني وجدتها كُل ذلك، هذا من جمال الرواية، إنني لا أعتقد أن الجميع سيراها من نفس المنظور، بتقلباتها المجنونة، وفي نفس الوقت، لا أنكر أن فصل السمر مع العواجيز والكهول قد أضحكني وجعلني أتمنى أن أكون وسطهم، وأن الفصل السابع السريالي والعبثي من أجمل فصول الرواية، وبكل تأكيد أن النهاية لم تُجيب على كل أسئلة الرواية. وستضعك في حيرة عن أغلب أحداث الرواية، وماذا يُريد الكاتب قوله أو إيصاله!
هي رواية مُهمة بكل تأكيد، ولكنها ليست من الأهم، هي رواية يجب أن تُقرأ، لتتعرف على كاتب يسرد كالماء، بغزارة وبسهولة ويسر، وأحياناً يهيج، وأحياناً يهدأ، وأحياناً يُغرقك، أنت وشخصيات رواياته.
بكل تأكيد انهيت الرواية ووجدت نفسي أريد أن أقرأ للطيب صالح مرة أخرى، هو كاتب بارع بلا شك، وهذه الرواية يُنصح بها، ولكن دع سقف توقعاتك مُتساوياً مع رأسك، وليس أكثر من ذلك.