رواية جريمة نفسية فلسفية فنية غامضة، جميلة ومبهرة إلى أقصى حد ممكن..
- نعيش مع عامر مغامرة يبحث فيها عن ذاته وعن كينونته متمثلة في معرفته لوالدته التي فارقته في صغره فيبدع في محاولة الوصول إلى حقيقتها التي سترشده لذاته يرافقه فيها كتاب اللاطمأنينة لبيسوا وبعض اللوحات هي كل ما تبقى له من والدته..
- تتعمق في تفاصيل وشرح النفوس البشرية ودوافع الأحداث والتصرفات وتوابعها فتتناول الكثير من المشاعر كالحب والشوق والانتقام والغضب والندم والخوف وحب التملك والخزي والشعور بالذنب وبعضها يناقش بأكثر من طريقة مع اختلاف الشخصيات، كالانتقام والخوف مثلًا..
الشخصيات بديعة التكوين والوصف وكأنها خلقت بمزاج رائق، شعرت وكأن كل شخصية هي وليدة كتاب أو رواية أو شخصية أخرى مع بعض إعادة التهيئة، فالجد مثلًا بكونه صيادًا ما هو إلا العجوز في رائعة هيمنغواي العجوز والبحر بعد إعادة تهيئته بما يتناسب مع أحداث الرواية وجوها العام وكذلك باقي الشخصيات، وكذلك عامر فقد تشرب بيسوا ومنهجه وأسلوب حياته وكأنه بيسوا ف عالم آخر بأغلب معتقداته وأفكاره وفلسفته يسعي لنشرها ويثير بها العالم من حوله، وكأنها عبارة عن لغة غامضة مثيرة لا يستطيع فهمها سوى قلة قليلة ممن ذاقت وتشربت أفكار بيسوا مثله والجميل أن الكاتب يتناول الشخصية منذ نعومة أظافرها بما يسمح بحسن تتبع نشأة وتكون هذه المشاعر بداخلها مدركًا أسبابها والعوامل الساعدة في تكوينها، فكما أؤمن وأعتقد دائمًا أننا ركام أحداث الماضي، ما أنت عليه الآن هو نتاج ما مررت به في سنوات عمرك الماضية..
أسلوب السرد جميل غريب غير مألوف تبدأ الأحداث برتم بطئ ممل ويؤخذ على الكاتب هذا الأمر، تطويله لفترة هذا الرتم البطئ التي قد تتسبب في ملل القارئ واعراضه عن استكمال الرواية على الرغم من قوتها وجمالها الذي لم يعرف عنه شئ حتى الآن ثم تبدأ الأدراث بالتسارع الذي يثير بداخل الإنسان شعور غريب، إذا قد حٌلت القضية في منتصف الرواية فماذا بعد؟؟؟
الحبكة مثيرة وغزيرة فهي تتناول الكثير من الغموض، تتكشف حقيقة إحداها فتتعمق في الأخرى لمحاولة الوصول لحقيقتها ولسوء الحظ أنني تمكنت من توقع الحبكة النهائية..
تناقش عدة مواضيع وأفكار شتي كسلطة القوي على الضعيف، حب التفرد والزهو بالنفس، وتملك الشهوة من المرء فيصبح كالحيوان يسعي ليشبعها لاغيًا عقله ومتبعًا غرائزه دون تفكير، تلقى لمحة على خطورة اختلاف شخصيات الزوجين، حالة التصالح النفسي مع الذات التي يمكن أن يصل لها المرء إن تمسك بغاية وهدف واحد فقط وسعى لتحقيقه بكل ما أوتى من قوة، حسن استغلال الأحداث التي يمر بها المرء في محاولة صنع مخزون من المشاعر يأنس بها في غربته، ..
تفيض بالأفكار الفلسفية فكلنا خلقنا من رحم لحظة بعينها ولا يقصد هنا ولادته من بطن أمه بقدر ما يقصد شعور المرء بوجوده وكيانه وكينونته، ويتعمق في شرح ماهية وفلسفة الصيد وكيف أن المرء إما أن يكون صياد أو فريسة، وتأثير التحطم النفسي في بناء حطام الآخرين، أثر إدراك الحقيقة الكاملة وكيف تفسد علينا كل قناع نصطنعه..
يحسن الكاتب استخدام الرمزية بشكل مبهر، كرمزية الغراب الأبيض، ورمزية خواتم عائشة، ورمزية اللوحات الفنية التي تضمن وصفها صفحات الرواية مع شرح جميل دامجًا هذه الرمزية في سياق الأحداث
الغلاف معبر عن فكرة ومضمون جزء من الرواية وهي الغراب الأبيض وبيسوا حيث اللا أحد
فهل سيكون هناك شئ أجمل من رواية تتحدث عن روايات وكتب أخري تحتوى حبكتها على جريمة غامضة وتتضمن جزء فلسفي وتتعمق في الذات البشرية؟!
هي خليط من كل ما لذ وطاب من مفضلاتي في الأدب، جعلها تترأس على مقدمة أقرب قراءات السنة لقلبي وأفضلها..
تجربة جميلة حقيقي سعيدة للغاية لأنني استمتعت بها وتحتاج إلي إعادة قراءة بتمعن بعد الانتهاء من ترشيحاتها من الكتب التي تضمنتها سطورها لمحاولة قراءتها بعين أخرى..
وطبعًا من الروايات اللي لازم اقتنيها في مكتبتي ♥️
التقييم ٤.٥ / ٥