تقديم:

- موعد جديد مع الثقافة والتاريخ والدين ؟ اذن نحن على موعد مع عمل أدبي جديد يحمل اسم الدكتور ريم بسيوني. فى الحقيقة بعد قراءة كل ما كتبت ، أجد نفسي حائراً ومتسائلاً. ماذا سيكون العمل القادم لها وأى موضوع أو فترة زمنية ستكون محور هذا العمل ؟ التاريخ العربي والإسلامي له جذوره العميقة جداً ويحتاج إلى مجلدات - وليس مجرد روايات - حتى يمكن الإلمام به فقط. قراءة التاريخ من خلال مراجع أو مجلدات هو عمل مرهق جداً ويختص به أكثر الأكاديميين والمتخصصين ، لكن ماذا عنا نحن معشر القراء ؟ القارىء يريد وسيلة أخرى غير المراجع حتى يمكنه التعرف على تاريخه. لا توجد وسيلة أخرى إلا الروايات الأدبية والتى بالطبع تكون ممزوجة بخيال الكاتب ولها أيضاً مصادرها ومراجعها الموثقة.

- عالم الروايات التاريخية هو عالم ساحر وغني جداً بشرط أن يمتلك الكاتب من الكفاءة العلمية والبحثية والخيال الخصب ما يؤهله للتصدى لهذا النوع من الأدب. لست هنا بصدد الحديث عن موهبة وكفاءة وخيال الدكتورة ريم فهذه أمور لا تحتاج إلى اثبات أو برهان بالنسبة لي بغض النظر عن اعجابك أو عدمه لهذا النوع من الأدب. أنا اعلنتها سابقاً أننى من موريدين كتابات الدكتورة ريم ، فقط أنا أؤكد على هذا مرة أخرى وكفى.

-----------------------------------

مراجعة الرواية:

- رحلة تاريخية ، صوفية ، انسانية فى المقام الأول هى ملخص أحداث رواية ماريو وأبو العباس. من قرأ روايات الدكتورة ريم التاريخية السابقة سيلاحظ أن هذه الروايات كانت تعتمد على الإيقاع البطىء نسبياً للأحداث. هذا طبيعى لأنها كانت تغطى فترة زمنية كبيرة جداً وتحتاج إلى فرد مساحات كبيرة للشخصيات والأماكن المعني بها الأحداث.

- فى ماريو وأبو العباس سنجد اختلافاً كبيراً. رواية متوسطة الحجم ، ايقاع سريع وأحداث متلاحقة. كان هذا مناسباً تماماً نظراً لتركيزها على شخصية رئيسية - أبو العباس - والتى استحوذت على أكثر من ثلثي أحداث الرواية ، مقارنة بشخصية ماريو روسي - المهندس المعماري - الذى تولى بناء مسجد المرسي أبو العباس بعد وفاته بأكثر من ٧٠٠ سنة.

- هل يوجد ترابط بين الشخصيتين رغم هذا المدى الزمني الهائل بينهما ؟ بالطبع يوجد. عندما تقرأ ستجد أن كلاهما مر بظروف متشابه وصولاً لتحقيق أهدافهم المرجوة. ستجد الغربة والرحيل من الوطن ، المعاناة من الفقد ، التعرض للتنكيل على مدار سنوات طويلة من حياتيهما لمجرد أنهم قرروا أن يسلكوا طُرقاً غير معتادة ولهم أحلام وطموحات تختلف عن الأخرين. هى مشكلة كل صاحب علم ، رؤية ، بصيرة أو موهبة فى كل زمان ومكان.

- الرواية تسير تحت شعار " لا كرامة لنبي فى وطنه ". أبو العباس الصوفي الزاهد المتعبد الباحث عن السعادة ، لا مكان له فى دنيانا البغيضة المليئة بالحقد والكراهية والحروب واكتناز الثروات والصراع على الحكم ومداهنة ونفاق السلاطين والحُكام.

- الصوفية ليست ارتداء الأسمال وترك الدنيا والدخول فى ما يسمى بحالة من الدروشة كما يتم الصاق كل هذه التهم الكاذبة بالفكر الصوفي.

- الصوفية هى جهاد النفس وهو جهاد عظيم لا يقدر عليه أى شخص. هو جهاد مستمر طوال مسيرة حياة الانسان. ومن يتصدر له عليه أن يعلم أنه سيتعرض لكافة أشكال الفتنة والإختبار والتى ستكون شديدة جداً حتى يمكن فرز من يدعي الإيمان والزهد ممن هو زاهد ومؤمن بحق مصداقاً لقوله تعالى " أحسب الناس أن يُتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يُفتنون ". هى فتنة وبلاء عظيم لا يقدر عليه إلا قلة قليلة شملها الله بكرمه ورحمته. باختصار كما عرفها الدكتور مصطفى محمود - رحمه الله - فى كتاباته ، أن الحياه الدنيا هى " أن نقاوم ما نُحب ونتحمل ما نكره ". وهذا مرادف مُبسط لجوهر الفكر الصوفي بمعناه الحقيقي.

- رحلة ستعيشها وتخرج منها وأنت فى حالة من الصفاء والهدوء النفسي لفترة من الوقت بعيداً عن صخب وضوضاء الحياة.

- فى النهاية أُرشح الرواية لمن يستهويهم هذا النوع من الأدب ، وأرفع القبعة مرة أخرى لهذا العمل الرائع وفى انتظار ما هو قادم على أحر من الجمر.