ساق البامبو > مراجعات رواية ساق البامبو > مراجعة محمد كمال

ساق البامبو - سعود السنعوسي
أبلغوني عند توفره

ساق البامبو

تأليف (تأليف) 4.4
أبلغوني عند توفره
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
0

#فقرة_اعرف_رواية

ساق البامبو/ سعود السنعوسي

مَن مِنّا لم يشعر بالاغتراب في لحظة ما؟ اغتراب عن شخصٍ كنّا نشعر معه بالقرب، الألفة، الأمان. اغتراب عن صديق أجبرته الحياة على أن يظهر غريبًا، أو يعدنا غرباء. اغتراب عن أهل اكتشفنا فجأة أنهم لا يشبهوننا، أو أننا لا نشبههم. أفكارهم، تصرفاتهم، ملابسهم، لا شيء في عالمنا ينتمي لعالمهم. اغتراب عن بلد لم نشعر فيه يومًا بالأمان، ولا أننا بالفعل ننتمي له، بلد أقصى ما قدمه لنا أن أنجبنا على أرضه، ثم ظل طوال حياتنا يطالبنا برد الجميل! وأخيرًا، اغتراب عن.. أنفسنا. فجأة، في موقف ما، في لحظة ما، تكتشف أنك تجهل نفسك، لست أنت ذا، بل آخر غريب عنك.

_________

..Jose

هوزيه، خوسيه، جوزيه، كلها أسماء لشخص واحد، إضافة إلى رقم (1). فهو في الفلبينية هوزيه، وفي الإسبانية خوسيه، وفي البرتغالية جوزيه. أمّا في الكويت اسمه عيسى، Isa أي رقم (1) بالفلبينية...!

وهو في الكويت مفترض أن يكون مسلم ويتحدث العربية، وفي الفلبين مسيحي ويتحدث الفلبينية أو الأنجليزية، وبين نفسه بوذي محبًا للخلوة ولا يحتاج لأحد يحدثه، وعند آخرون لا دين له! وولد في الكويت، ثم رحل إلى الفلبين وعاش هناك فترة طويلة، ومفترض أن يعود يومًا إلى الكويت، لأنه بلد والده. فصاحبنا غريب في وطنه، غريب في دينه، غريب في لغته، غريب في.. اسمه!

جوزافين، هي خادمة فلبينية، تنحدر من عائلة فقيرة في الفلبين، أرادت ألّا تلقى نفس مصير شقيتها آيدا، التي اضطرت للعيش من جسدها، كي تحمي أهلها من الهلاك جوعًا. استطاعت جوزافين أن تجد لها طريقًا آخر، هو السفر لإحدى دول الخليج، حيث يلزم العائلات هناك غالبًا وجود مَن يقم على تدبر شئون منازلهم. وساعدتها آيدا متمنية لها حظًا أوفر من حظها، فمن ذاق المرار، لو كان نبيلًا، وكان يحبك، لدفع كأسه عن فاك إن رآك تهم على تذوقه.

سافرت جوزافين للكويت، وكانت عائلة "الطاروف" هي حاضنتها هناك. كانت مثلها مثل باقي مدبرات المنازل هناك، تقم بعملها مقابل راتب شهري ترسله إلى أهلها في الفلبين، لكن يبدو أن جوزافين تطلعت إلى ما هو أكثر من ذلك، سمحت لعينيها أن تنظر إلى السقف وما فوقه وتحلم وتتخيل، ومثلها لم تكن تنظر للسقف إلّا لتنظيفه.

استلطفت من عائلة الطاروف أشخاصًا واستثقلت أشخاص. ارتاحت لابن الأسرة الوحيد وحامل لواءها، أعجبت بفكره، بثقافته، بكتاباته. امتنت له كثيرًا لطريقة تعامله معها، أحبت أسلوبه، كلماته، وعشقت ابتسامته، وفي الأخير، اكتشفت أنها.. تحبه.

لسان حالها بقول: جوزافين، انتبهي، هذا راشد الطاروف، أفيقي يا تعيسة الحظ، ألا تدرين ماذا اقترفتي؟ أنتِ تحبين يا بائسة، لا، ليس الحب جُرم، وأنما أن تحبي مَن لن تستطيعين نيل حبه أبدًا؛ فهذا هو الجرم. لكن يبدو أن جوزافين كانت مخطئة، لم يكن حبها جُرم، نعم.. فلقد أحبها راشد.. الطاروف.

كان صادقًا، كان يحبها فعلًا، لم يرد إغواءها لإسقاطها في نفس ذات البئر المعتمة التي سقطت فيها شقيقتها آيدا، لم يتعاون مع سوء الحظ للإيقاع بها. لكنه، بشكل أو بآخر، بقصد أو من دون، سمح لسوء الحظ والبؤس أن يعرفا مكانها. وذلك حينما عرض عليها الزواج.

تزوجها الطاروف شرعًا، وشهد على العقد أعز صديقيه. وطافت جوزافين على عوامات السعادة فوق مياه بحر الأمل. لكن ما كانت جوزافين لا تصدقه يومًا، هو أن يحبها راشد الطاروف مثلما كانت تحبه، يقينها ذاك، قلقها، خوفها، يبدو أن كل ذلك اجتمع عندها حينما حملت في.. عيسى.

هو عربي، ابن عربي، من صلب راشد الطاروف، لكنه من جوزافين، ملامحه تقول ذلك، كل شيء فيه يُكذّب أنه عربي. هل فكرت يومًا في أن ملامحك هي سر تعاستك؟ عيسى راشد الطاروف فكر في ذلك.

راشد الطاروف كان صادقًا مع جوزافين ومخلصًا، لكنه لم يكن قويًا كفاية ليحميها، لم يكن متبلد الشعور كي يتجاهل مشاعره تجاه والدته ويعصيها، ليبقي على جوزافين، ولم يكن ذا حجة قوية كي يقنع أسرته وبالأخص والدته بقبول أمر زواجه من التي أحبها، لكنهم لم يرونها سوى.. خادمة.

أراد راشد أن يعزف على وتر العاطفة، أخذ الطفل لمنزل العائلة، وهو يراهن على فوز العاطفة، فعندما تراه جدته حتمًا ستشفق عليه وتحبه، فهو حفيدها، وِلد وَلدها الغالي. لكنه خسر الرهان. بالفعل هي أشفقت عليه، لكنها لم تتحمل رؤية ملامحه، فلم تحبه.

ورحلت جوزافين بعيسى إلى الفلبين، وتربى هوزيه في منزل العائلة، وعلى طريقة جده ميندوزا، الذي قضى عمره في مصارعة الديكة. ولمّا أصبح واعيًا لِما يقال له، أخبرته والدته بما صار، وأن الفلبين ليس وطنه. حِبه يا عيسى، لكن لا تتعلق به، انسى شجر البامبو يا عيسى، انسى سيقانه الطويلة ذات الجذور الممتدة العميقة، إنّ ساق البامبو له جزور قوية لأنه نبت في أرضه يا عيسى، وهذه ليست أرضك يا بني، وليس لك جذور فيها، إنّ جذورك هناك، حيث وُلدت، في الكويت، فأنت حينما وُلدت مددت جذورك لأسفل لأسفل، فلا تتعلق بهذه الأرض، فالفلبين لن يعطيك شيئًا، لأنه يأخذ فقط. أما الكويت، فالمستقبل كله هناك.

وهكذا نشأ عيسى على حب الكويت، لا يحلم نائمًا كان أو متيقظًا إلّا بالعودة إليه، فإن لم يكن هو المستقبل، فعلى الأقل فيه.. والده.

________

ساق البامبو: الرواية الفائزة بالجائزة العالمية للرواية العربية (بوكر) في دورتها السادسة لعام ٢٠١٣، وفي ٢٠١٦ تم إنتاج مسلسل كويتي يحمل أحداث الرواية. ويسعدني أن أخبركم أن أحداث الرواية حقيقية.

أُرشحها لكم بقوة. رواية اجتماعية عظيمة، لغة قوية سلسة، أسلوب رائع، سرد ولا أروع. ستتعلقون بها، ستحبونها، ستقرأونها أكثر من مرة.. كما فعلت أنا.

_________

يا الله.. رواية مفعمة بالاقتباسات.

أقرأوا بتروٍ.

الاقتباسات:

- ‏"من كان بوسعه أن يقبل بأن يكون له أكثر من أم، سوى من تاه في أكثر من اسم.. أكثر من وطن.. أكثر من دين؟!"

- "الكلمات الطيبة لا تحتاج إلى ترجمة، يكفيك أن تنظر إلى وجه قائلها لتفهم مشاعره وإن كان يحدثك بلغة تجهلها."

- "بقيت أنتِ الحلم الذي يزورني في منامي و يقظتي، كثير من الفتيات التي أمر بهن كل يوم هنا يحركن شيئاً في داخلي، و لكنهن يسقطن ما إن أقارنهن عن دون نية.. بكِ."

- "السعادة المفرطة كالحزن تماماً، تضيق بها النفس إن لم نشارك بها أحداً."

- ‏"كان من الصعب أن آلف وطناً جديداً، حاولت أن اختزل وطني في أشخاص أحبهم فيه، ولكن الوطن داخلهم خذلني"

- "كل شئ يحدث بسبب ولسبب.. ولا مكان للصدفة في أقدارنا."

- "ليس المؤلم أن يكون للإنسان ثمنًا بخس؛ بل الألم كل الألم أن يكون للإنسان ثمن"

- ‏"نحن لا نكافئ الآخرين بغفراننا ذنوبهم، نحن نكافئ أنفسنا، ونتطهر من الداخل"

- "الغياب شكل من أشكال الحضور، يغيب البعض وهم حاضرون في أذهاننا أكثر من وقت حضورهم في حياتنا."

- ‏"حتى الجذور لا تعني شيئاً أحياناً. ‏لو كنت مثل نبتة البامبو لا انتماء لها، نقتطع جزءاً من ساقها، نغرسه بلا جذور، في أي أرض، لا يلبث الساق طويلاً حتى تنبت له جذور جديدة في أرض جديدة.. بلا ماض.. بلا ذاكرة."

-‏ ‏"كل طبقة اجتماعية تبحث عن طبقة أدنى تمتطيها، تحتقرها وتتخفف بواسطتها من الضغط الذي تسببه الطبقة الأعلى فوق أكتافها هي"

- "تحفر المشاهد المأساوية نقوشها على جدران الذاكرة، في حين ترسم السعادة صورها بألوان زاهية. تمطر سُحُب الزمن.. تهطل الأمطار على الجدران.. تأخد معها الألوان.. وتبقي لنا النقوش."

- "اليد الواحدة لا تُصفِّق، ولكنها تصفع، والبعض ليس بحاجة إلى يدٍ تصفق له، بقدر حاجته إلى يد تصفعه، لعله يستفيق!"

- "أنظر إلى الأشياء وكأني أراها لأول مرة، أشعر بالاختناق.. أبسبب الازدحام من حولي.. أم بسبب الازدحام في نفسي؟

- "تنكشف لنا حقيقة أحلامنا كلما اقتربنا منها بعد عام. نرهن حياتنا في سبيل تحقيقها، تمضي السنون، نكبر، وتبقى الأحلام في سنها صغيرة.. ندركها.. نحققها.. واذا بنا نكبرها بأعوام. أحلام صغيرة لا تستحق عناء انتظارنا طيلة تلك السنوات."

- ‏"في أذني اليمنى صوت الأذان يرتفع. في أذني اليسرى قرع أجراس الكنيسة. في أنفي رائحة بخور المعابد البوذية تستقر. انصرفت عن الأصوات والرائحة والتفت إلى نبضات قلبي المطمئنة فعرفت أن الله.. هنا"

- "لماذا كان جلوسي تحت الشجرة يزعج أمي؟ أتراها كانت تخشى أن تنبت لي جذور تضرب في عمق الأرض ما يجعل عودتي إلى بلاد أبي أمراً مستحيلاً؟"

- "لا يُقدِم على الانتحار سوى إنسان جبان فَشلَ في مواجهة الحياة، وإنسان شجاع تمكّن مِن مواجهة الموت!"

- ‏"شعرتُ فجأة أن هذا المكان ليس مكاني، وأنني كنت مخطئًا لا بد حين حسبت ساق البامبو يضرب جذوره في كل مكان"

- "إذا ما صادفت رجلًا بأكثر من شخصية، فاعلم أنه يبحث عن نفسه في إحداها"

- ‏"كلما شعرت بالحاجة لشخص يحدثني.. فتحتُ كتابًا"

- ‏"إن لفظت الديار أجسادنا.. قلوب الأصدقاء لأرواحنا أوطان"

- "أزاح كفه عن رأسى واضعًا إياها على كتفى، أردف: حتى تذلل مصاعب العمل، حَسّن علاقتك برب العمل، و كى تذلل مصاعب الحياة، حَسّن علاقتك.. بربك"

_________

أنا بحب الرواية جدًا.. حِبوها معايا

ولا تنسوا اللايك والشير 💙

- محمد كمال

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق