وهل يكفي ما لدي من الوقت وخلو البال والقدرة للتأمل والتعمق في هذه التحريات ؟
تحريات يقع المرء تماماُ في إسار سحرها وقوتها الهائلة ، وتعصف به لدرجة تجعله يقرأ الفقرة ثم يعيد قراءتها و يتوقف في نهايتها ليفكر في إمكانية قراءة ثالثة رغم الرغبة الغامضة التي تدفعك للمواصلة والتقدم إلى الفقرات اللاحقة (قد يرافق ذلك بعض الآثار الجانبية كصداع خفيف محبب يتسبب به كافكا عادة لقرائه ) .
لن أخوض بتفسير الرمزية في هذه التحريات ، فمن الغني عن البيان أن مخاض كهذا سيكون عسير ، فلكل قارئ تفسيراته الخاصة لهذه التحريات أو أي أثر من آثار كافكا ، ولكني لا أتفق مع التفسير الذي جاء في النبذة على غلاف الكتاب ، و القائل باستحضار الجوانب المادية والروحية والمقارنة بينها ، فهذا تفسير شديد السطحية للأثر الذي بين أيدينا .
" ما كان يوسع ذهني أن يهتم بشئ إلا بهبة الموسيقي تلك ، التي بدت كأنها تنداح من كل الجوانب ، من الأعالي ، من الأعماق ، من كل صوب ، ممسكة بخناق السامع وسط الساحة ، ومتغلبة عليه ، ساحقة إياه ، وناثره فوق جسده الذي يوشك على مفارقة الوعي أفانين من الأصوات الاحتفالية بالغة القرب منه حتى تبدو بالغة البعد وغير مسموعة على وجه التقريب "
ما أشد التشابه بين تأثير هذه الموسيقى الذي يصفه كافكا على سامعها و تأثير كلماته على قارئها !
هذا هو كافكا ........زخم بهي و تألق مثير للدهشة !