صلاة تشرنوبل > مراجعات كتاب صلاة تشرنوبل > مراجعة أحمد فؤاد

صلاة تشرنوبل - سفيتلانا أليكسييفيتش
أبلغوني عند توفره

صلاة تشرنوبل

تأليف (تأليف) 4.4
أبلغوني عند توفره
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

من البديهي عندما تنوي قراءة كتاب عن كارثة شهيرة، أن يخطر ببالك أن الكتاب يتحدّث عن الكارثة من الناحية العملية، يُقدّم معلومات وأرقام وبعض آراء المتخصصين ومدى تأثير الكارثة في البيئة، ونتائجها على علاقتها مع دول العالم من حولها.

حسنًا... لن تجد ذلك! انتهجت الكاتبة سفيتلانا ألكيسييفيتش طريقًا آخر غير الذي انتهجه الكثير من قبلها، فالمعلومات التي تخص كارثة تشيرنوبل متوفرة بكثرة، ومتاحة بشكل متشابه إلى حد التطابق في معظم الصحف أو مواقع الانترنت.

وصفت سفيتلانا الكتاب بأنه ليس عن تشيرنوبل، بل هو عن عالم تشيرنوبل.

جمعت الكاتبة حكايات الناس على مدار عشرين عامًا تجمع أحاسيس ويوميات وأفكار الناس، التقت بموظفين سابقين بمحطة الطاقة، وعلماء، جنود، أطباء، نازحين، وافدين، ربّات منازل، صحفيين، مصوّرين. وقالت" أحاول الارتقاء لأكون روحًا، وأكتب عن الحياة اليومية للناس العاديين."

هناك من جادلها بأن الكتاب – كما كتبها الأخرى - ليس أدبيًا فكان جوابها:

" وما هو الأدب اليوم؟ كل شيء يفيض مُـتعدّيًا شواطئه، الموسيقى، الرسم، حتى الكلمات في الوثائق تهرب من حدود الوثيقة. أنا مُهتمة ببسطاء الناس، البسطاء العظماء، تلك طريقتي. فبالمعاناة يتمدد البشر، في كتبي يحكي هؤلاء البشر تواريخهم الصغيرة، فيتشكّل التاريخ الكبير في الطريق."

قامت سفيتلانا بعرض الكارثة من خلال عيون الناس الذين عاصروا الأحداث وتضرروا منها. في هذا الكتاب لن نرى الحادثة بعيون جامدة في شكل أرقام، في الحقيقة أنت لن تعد تهتم بأسباب الكارثة أو حتى المتسبب فيها، أنت ستدرك أن الأهم من ذلك هو الناس... هو الجزء الوحيد الذي تناساه الجميع! لهذا قامت الكاتبة بنقش هذا الوجع على أرواح من سيقرأ الكتاب آملة أن يظل ذلك حاضرًا بشكل دائم في عقول البشر. أو كما تقول " إن الذي بقي ولم يتغيّر هو المعاناة الإنسانية؛ رأسمالنا الوحيد الذي لا يتجزأ!"

أحببت قرار الكاتبة في رؤية الحادث بعيون مختلفة، سنراها بعين طفلة، وبعين إطفائي، وبروح أم أو أب، وبقلب المُحبّين الذي لم يفرقهم إلا الموت، سنراها في ذهول كيميائيين وفيزيائيين، ونراها في جزع مفتشين ورؤساء في محطة الطاقة التي انفجرت، سنراها في ارتياع أفراد الدفاع المدني وحنق المسؤولين وإحباط المصورين والصحفيين.

بالتأكيد سيكون هناك الكثير من العاطفة في هذه الرؤى المختلفة للحادث، لكنه سيكوّن لدينا شيء شبيه بالمتوسط الحسابي الذي نعرفه في علم الرياضيات، هو اندماج لعدة صور تجعلنا نرى الصورة بشكل أوضح، ستجد بوضوح نقاط ثابتة ترسم خطًا واضحًا من الوجع.

تُرجع الكاتبة السبب الرئيس لآثار الكارثة إلى العقلية السوفيتية القديمة، وبالرغم من إدانتها لهذه العقلية المتزمّتة والمتمثلة في القرارات السيادية العليا المتأخرة أو في استخدام الدولة أسلوب التعتيم وتضخيم نظرية المؤامرة بين الشعب لإخضاعهم لأوامر تهتم بالدولة وليست بالإنسان. إلا أنها أدانت وبشدّة عقلية الإنسان الروسي السوفيتي بشكل عام، حتى أنها أدانت نفسها، هذه العقلية التي نتجت عن ممارسات سابقة للدولة على أجيال متعددة، تم خلق الثقة المُفرطة والإيمان المُطلق في الدولة ومبادئ الاشتراكية وانعدام الاستقلالية. خلق ذلك إيمانًا بأن الجميع أفضل من الواحد، لكنهم زرعوا الخوف... الخوف من أن تكون تصرفاتهم من نتاج أفكارهم الشخصية، فكل تصرّف فردي قد يتحوّل إلى خيانة إن لم يناسب مبادئ الدولة التي وضعتها السلطة.

عندما وقعت الكارثة، لم يعرف الناس كيفية التصرف، وانتظروا التعليمات من الدولة، المسؤولين أخبروهم في البداية أنه مجرد عمل تخريبي من الدول المعادية لتقويض المعسكر الاشتراكي فصدّقوا، استقدموا الإطفائيين لإخماد حريق في محطة نووية دون أن يخبروهم بأن يتخذوا احتياطاتهم... فذهبوا دون تردد. لاحقًا... أخفوا عن الجميع حتى الجنود، نسب الإشعاعات التي يتعرضون لها. نزعوا الملصقات التعريفية من على عبوات الحليب التي توضح مكان الصنع، كي لا يتجنّبه الناس إن عرفوا أنه صُنع في أماكن مصابة بالإشعاعات! أقنعوا الناس في البداية ألا يغادروا المدن المتضرر بالإشعاع كي لا ينقلوا الذعر أو المرض خارجها، ثم بعد أن قرروا أن يقوموا بعمليات الإجلاء، لم يجدوا أيدًا عاملة، فجلبوا الكثير منهم مرة أخرى للقيام ببعض الأعمال الزراعية، علف ملوّث باعوه بسعر رخيص في الأماكن النظيفة!

يقول العميد السابق لمعهد الطاقة النووية – أكاديمية العلوم البيلاروسية، لقد كانوا مهووسين بالحرب الباردة، وجدت على أرضهم آلاف الأطان من مادة السيزيوم واليود والرصاص والبلوتونيوم- حوالي أربعمائة خمسون نوعًا من النيكلودات المُشعّة- كميتها تُعادل ثلاثمائة وخمسين قنبلة، كالتي سقطت على هيروشيما. وبدلًا من التحدث عن الفيزياء وقوانينها تكلّمنا عن الأعداء وبحثنا عن الأعداء. لم يكن في إدارة المحطة النووية أي فيزيائي نووي، كان هناك اختصاصيو طاقة وأنابيب وإناس حزبيون، لم يكن هناك نووي واحد... اخترع الإنسان التقنية التي لم يكن مستعدًا لها، هل يمكن أن نضع بيدي الطفل مًسدسًا؟ نحن أطفال- مجانين. لم نجد إيكيولوجي إشعاعات واحد في بيلاروسيا، عملت ذات يوم مع خبيرة، أقفلوا المختبر الخاص بها قبل تشيرنوبل بخمس سنوات بحجة أنه عديم الفائدة لأن المحطات السوفيتية متقدمة وهي الأفضل أمانًا في العالم، أحالوا البروفيسورة للتقاعد، هي تعمل الآن حارسة مبنى في مكان ما، تُقدّم المعاطف للناس!

سأذكر واقعتين تُمثّل هذا الجنون المُطبق... الأولى عندما جاء بعض العلماء إلى بيلاروسيا، اقترب سكرتير أول اللجنة الحزبية من أحدهم وهو يخبره في رعب " أطفالنا يسبحون في الرمال الملوثة" يتدخّل أحد المسؤولين قائلًا في حزم "لماذا تثيرون الرعب؟ أنتم سطحيون، ماذا تعرفون عن الإشعاعات؟ هل أنت وطني أم لا؟"

مُنع تصوير المأساة... صوُّرت فقط البطولة!

الواقعة الثانية عندما زار كبير مهندسي معهد الطاقة الذرية – أكاديمية العلوم ببيلاروسيا؛ بعض القُرى، وجد أن مستوى الإشعاعات في الغدة الدرقية لسكانها أعلى بنسبة 200 إلى 300 مرة من الجرعة المسموح بها، وعندما كانوا يلتقطون صورًا للمواد الغذائية مثل البيض والمرتديلا، وجدوها فضلت مُشعّة. كاد يجنّ جنونه إلا أنه حاول أن يتماسك على الأقل كي ينقذ زميلته طبيبة أمراض القلب المرافقة والتي أصابتها الهيستيريا عندما شاهدت الأطفال يجلسون على الرمل ويلعبون ببواخرهم البلاستكية في برك المياه.

نقرأ قمة الوعي والإدراك المُتأخر في كلماته في نهاية المقابلة معه عندما قال: "لماذا عرفنا وصمتنا؟ لماذا لم نخرج إلى الساحات؟ نحن قدّمنا تقاريرنا، كتبنا ملاحظاتنا الوظيفية والتزمنا بالأوامر دون تردد. إنه انضباط حزبي، أنا شيوعي. لا أذكر أن أحد موظفينا قد خاف على نفسه بالذات، ورفض مهمة إلى المنطقة. لكن ذلك كان بسبب الإيمان والثقة بأننا نعيش بشكل جميل وعادل، وأن الإنسان عندنا أعلى من كل شيء. لكن هذه الثقة قد انتهت للكثيرين بجلطة أو انتحار بطلقة في القلب مثلما حدث للأكاديمي ليغاسوف، لأنك عندما تفقد الثقة وعندما تصبح من دون إيمان، أنت هنا لم تعد مُشاركًا، بل شريكًا."

أما عن القرويون فحالهم كان الأصعب في رأيي، فنقرأ في لقاء مُفتش حماية الطبيعة:

يحزنك القرويين أكثر من سواهم، لقد عانوا من دون أي ذنب، كالأطفال. ليس الفلاح من ابتدع تشيرنوبل، فهو على علاقة خاصة مع الطبيعة. القرويين لم يدركوا ما حصل، أرادوا الثقة بالعلماء وبأي انسان متعلّم، لقد أكدوا لهم" كل شيء على ما يرام، لا شيء يدعوا إلى الخوف. فقط اغسلوا أيديكم قبل الطعام!" لقد أدركت بعد عدة أعوام أننا جميعًأ شاركنا في الجريمة."

كتاب صلاة تشيرنوبل... يحكي عن انسان تشيرنوبل الذي أصبح منبوذًا، عليه أن يعيش وحده أو أن يصبح فأرًا للتجارب، حتى أن هناك الكثير منهم عادوا إلى أماكنهم الملوثة، تاركين الأماكن الآمنة في الدول المجاورة، لقد وجدوا هناك أن الناس تخاف منهم أو يسرقوهم أو يقتلوهم.

تقول إحدى العائدات " قد يقتلنا الإشعاع ببطء، لكنه لن يطلق علينا الرصاص!"

أصبح في النهاية لديهم حلم وحيد... حلم أن يموتوا بشكل عادي!

أنصح بقراءة الكتاب

تقييمي العلامة الكاملة 5 من 5

ملحوظة... سأقوم قريبًا بنشر مراجعة صوتية بها بعض المعلومات الإضافية التي لم أذكرها هنا خشية الإسهاب.

أحمد فؤاد

31 أيّار- مايو 2019

Facebook Twitter Link .
1 يوافقون
5 تعليقات