كتاب من القطع الكبير ب 430 صفحة تقريباً؛ لذلك استوفى من الجهد والوقت الشيء الكثير؛ خاصةً وأنه لم يكن خفيفاً ليس على نفس القارئ بالطبع؛ ولكن من ناحية المعلومات الثرة التي يدلي بها مالك بن نبي وقد كان شاهداً على القرن. للحقيقة هذا الكتاب من أنفس كتب السيرة التي قرأت، ليس لاحتوائه على فنها وأرضها الخصبة التي تطوق شيئاً من أرض الرواية والتأريخ،وفنون أخرى؛ ولكن لأنه حمل روح مالك نبي على حقيقتها، فكان حين يحدثك عن طفولته وأحلامه وخيالاته وطموحاته، وتبرمه من الاستعمار، وهجرته إلى البلد المستعمر كأنك تكون هو في كثير من الأحيان، تنفعل انفعلاته، وتضطرب لاضطراباته، وتتأهب لأن تلقي خطاباً عاطفياً حاراً مثله بمناسبة ودون مناسبة. أعجبني وصفه جداً، كيف لا وهو لم يقتصر على إجادته بحيث أن قد ارتاده يوماً ودوماً؛ ولكن لأنه يملك ناصية البيان، وقلماً سيَّال أنى ذهب في فن تشخيص الواقع. أمتعتني أزقة تبسَّة، وشوارع قسطنطينة، آنسني مقهى باهي في تبسة خاصة حينما يذكر هوامش متن مذيع إذذاعة برلين، وحين كانوا يجتمعون من قبل ليتطارحوا فيه مناقشات سياسية، أو انحناءات طربية لموسيقى مستوردة من مصر، ثم ذلك الحي اللاتيني في شوارع باريس، والجمعية المسيحية التي أعانته في بدايات عيشه هناك، ولا أنسى أبداً ماءَ العودة التي كانت تصبه له أمه في تبسه كلما أراد أن يخطو خطوةً خارج ذلك الوطن الصغير الذي احتضن عائلته. كانت أول قراءة لهذا الشيخ التبسي ليس العربي المذكور في السيرة ولا ابن باديس أيضاً؛ ولكن لمالك بن نبي نفسه، ولن تكون الأخيرة.
مذكرات شاهد للقرن : سلسلة إحيائيات > مراجعات كتاب مذكرات شاهد للقرن : سلسلة إحيائيات > مراجعة مبارك الهاجري
مذكرات شاهد للقرن : سلسلة إحيائيات
تحميل الكتاب