ليمبو بيروت > مراجعات رواية ليمبو بيروت > مراجعة A.Rahman

ليمبو بيروت - هلال شومان
أبلغوني عند توفره

ليمبو بيروت

تأليف (تأليف) 3.2
أبلغوني عند توفره
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
2

كدت أفقد اهتمامي بالرواية وأضعها جانباً وذلك لأجل خطأ غير مدروس، يقع به الكاتب دون أن يتكبد بعض العناء للتغلب عليه، نظراً لأنه لا مفر من الوقوع به، في رواية تحكي قصة أربعة من الأشخاص تجمع بينهم الصدفة، وكونهم جميعاً من الزومبي المسيرين، معدومي الارادة، شديدي الضحالة، ضعفاء العزيمة. الانتقال السريع من قصة أحد الشخصيات لقصة آخر، وهو ما حدث مع قصة وليد رسّام الغرافيتي، في بداية الرواية، الذي ما أن يفلح القارئ في الاندماج مع حكايته، وبشكل خاص، حينما تتوقف الحكاية عند لحظة حرجة، وهي تعرّض وليد لتهديد مميت، فأن الكاتب "يلمّ الليلة" وينتقل بنا لشخصية أخرى أقل اثارة للاهتمام، وهي شخصية كاتب يعاني من قفلة ابداعية، أكاد أجزم أنه، في أغلب الأحوال، ومع القارئ الملول، فإن هذه النقلة الضعيفة درامياً قد تنفره وتجعله يرمي الكتاب سريعاً، إلا أن الكاتب يسارع بمعالجة هذا الخطأ، وذلك بتقديم أكثر trope مثير للاهتمام للقارئ العربي، بشكل عام، وهو الزوجة اليابانية، فذلك الكاتب الذي يعاني من قفلة كاتب _وهي مشكلة لا تعني أحداً، ولن تجلب تعاطفاً كبيراً_ لديه زوجة يابانية، وأنت ليس لديك زوجة يابانية غالباً، وهي نوعية الزوجات اليابانيات القادمات رأساً من الكتاب، فهي تترك عملها لأجل أن تعيش مع الحبيب الذي التقت به في لندن، ثم تترك كل شيء من جديد لأجل أن يعودا سوياً إلى بيروت، مسقط رأس الكاتب، وذلك لمساعدته على استعادة الهامه الأدبي، من حين لآخر يشير الكاتب لأشياء هامشية مثل كونها تحضّر له الطعام، وكدا يعني، ولما يعودا إلى بيروت، فأنها تتكفل بإعداد كل شيء في حياته، وتمهيد الصعاب، وتيسير الطرق، وتجهيز منزلهما سوياً، ثم فجأة ينقلب كل شيء رأساً على عقب، تقوم حرب أهلية، فتنفجر الزوجة اليابانية _رمز الصبر، وقوة التحمل، والوفاء الزوجي، والاخلاص_ على زوجها، تسبه وتسب البلد وتهجرها، عائدة إلى طوكيو، الآن، لاحظ معي، أن شخصيات هذه الرواية lame للغاية، وأعني بذلك أن تلك الشخصيات بحاجة دوماً لحافز درامي أو catalyst يبرر ما ستقدم عليه من تصرفات غير متوقعة، ومبالغ فيها، مثل أن يقود الكاتب هذا سيارته، بعدما هجرته الزوجة اليابانية، ويصدم شخصاً مسلحاً. فيرديه قتيلاً. قبل ذلك، يخرج الكاتب فجراً بسيارته وهو لا يدري لماذا يفعل ما يفعل، يستخدم هلال شومان هذه الحيلة الدرامية من جديد مع الطبيب المتدرب الذي تهجره حبيبته سناء، ويعلل تصرفاته في هذه الليلة نفسها، والتقاءه بالغرباء، الفتى وليد الرسام، والمسلح، بأنها لم تك لتحدث لولا هجرته سناء، في مشهد آخر، فإنه يتخذ بعض القرارات المخالفة لشخصيته _مثل شراء ساعة يد_ وهو مسيّر، من جديد، تتكرر هذه الثيمة كثيراً، لا بأس بذلك، لو كان في شخصية واحدة، أجل، هنالك قرارات يتخذها المرء في لحظة فوضى نفسية، متذرعاً بأحداث عصيبة أخرى، قد دفعته دفعاً ليقوم بأفعال غير متوقعة، وغير مبررة، ولكن، هذا مش أسلوب حياة، ويفقد أغلب الشخصيات مصداقيتها، يحاول الكاتب أن يوفّق بينهم جميعاً ليصنع رابطاً _من الصدفة_يجمعهم معاً، في حادثة واحدة، وفي ليلة واحدة، لقد صنع الكاتب خيطاً من الصدفة مستبعداً للغاية، بحيث يربط بين وليد، وزوجة عشيقه، ألفرد، التي تلد طفله، في نفس المشفى الذي يستقبل المسلّح الذي كاد يصيب وليد في الفصل الأول، ولكن لا بأس بذلك، المؤسف أن الكاتب لم يسعفه الخيال لأجل أن ينوّع في ضروب الحوافز والcatalysts التي تسيرّ الشخصيات، وثيمة حادث السيارة يتكرر مرتين، مرة مع حسن المسلّح، ومرة مع سلوى زوجة ألفرد. في المرة الأولى، يخرج الكاتب مغيباً بلا ارادة لا يدري لماذا ضغط على البنزين، وفي المرة الثانية، تعبر سلوى طريقا مسرعاً لأجل أن تطارد ذكرى طفولية مصطنعة، وكذلك، محاولة تأطير شخصية سلوى في كونها حبيسة هذه الذكرى الطفولية، ألغاز الحروف والكلمات التي كانت تحلّها، بحيث تتعامل مع ألفرد، الزوج، كأنه لغز كلمات وحروف، وتمضي قدماً للزواج به بوصفة "لعبة ألغاز" جديدة، رغم أنها لم تك مهتمة، هذه مسيّرة، أما ألفرد، الذي نعرف من الفصل الأول أن له عشيقا هو وليد، يساكنه، فإنه يمضي كذلك مسيرا للزواج من سلوى، ولا نعرف شيئا عن وليد، وما الحال بين ألفرد ووليد، وكيف صارت العلاقة بعد الزواج؟ يقدم لنا الكاتب نموذجاً فريدا آخر من الزوجات، وهي الزوجة اللبنانية، التي ليس لها حياة _لا نعرف لها حياة أو آمال أو تطلعات، أو أصدقاء أو "طلعات"_ سوى كونها وعاء لأجل حمل طفل ألفرد الذي تأخر زواجه كثيرا وتشعر عائلته الثرية بالقلق، وتطلب وريثا على ما يبدو، حتى محاولة الكاتب لاسكتشاف جانباً "عميقا" أو معقدا من شخصيتها كان مصطنعاً وتافها وساذجا شوية، وهو يعني، هوسها بلعبة الألغاز، الذي أخرج لنا شخصية امرأة مبتسرة غير ناضجة درامياً. نعرف أن الاتفاق بينها وبين ألفرد أن لكل حياته، ونحن نعرف غالبا أن ألفرد شخص مشغول بالعمل وكذلك بالعشاق خارج نطاق الزواج، لا نرى جانباً من حياة سلوى إلا جانب المدام، ورغم اصرار الكاتب على وصفهما، ووصف علاقتهما بأنها "غير"، إلا أنني لا أفلح في استقراء أي شيء مختلف عن أي علاقة زواج هيترونورماتف "طبيعي"، الزوج يغيب بالأيام خارج البيت، سلوى لا تتجرأ على سؤاله، وحين يسألها عن حالها، تطمئنه وتطلب منه أن "ينبسط شوي"، يقول لها "خليكي بالبيت بليز"، لأنه قلق من "احداث العنف في بيروت"، وتجيبه "لا تعتل همي، إنت انبسط"، تطلب منه أن "ينبسط" للمرة الثانية، بالطبع، هذه زوجة "غير نكدية" يعني، قبل ذلك، يسير ألفرد في ترووب الرجل الماتشو التقليدي_وليس المثلي، بطبيعة الحال_ الذي حين يتضايق يسكر ويسكر، ثم يسير بالليلة إلى منتهاها الرجولي مع سلوى.

هذه الزوجة لا تترك زوجها، حيث أنها موجودة لتنجب له طفلاً بالطبع، عدا ذلك، يأتي trope آخر عتيد، وهو بائعة الهوى الفرنسية، صوفي هذه بائعة هوى، يطلب منها حسن، شقيق رامي المقعد، أن تحبّه وتساكنه، كي ينبسط، ولا يشعر بالنقص، وهو ما تفعله، حتى تنتابها لحظة مراجعة للذات، وتشعر أن ما تفعله غير أخلاقي، وتتوقف عن الرد على مكالمات رامي، من جديد، يحفز هذا رامي لأن يمر بتجربته الخاصة، وهي حلمه الغريب الرؤيوي الذي يرى فيه ما يمكن وصفه بنبوءة الحرب التي تضرب بيروت.

لدينا ثلاثة من الرجال الذين لا يقومون بمشهدهم الكبير إلا بعد هجران الحبيبة، ورجل رابع، ألفرد، لعله قام بالزواج من سلوى بعد هجران وليد له _وهذا لا نعرفه على وجه التحديد، فهذه القصة هي الوحيدة المبتسرة ذات النهاية الغامضة، كأن الكاتب قد قرر يبقى ما بعد حداثي ويكتب حكاية عن عاشقين من الرجال، ثم فجأة رجع في كلامه وقرر "يختم" الرواية ختمة تقليدية للغاية، زي خواتيم الأفلام العربي، المدام اللبنانية تضع ابنا ذكراً لألفرد، كناية عن "الوليد"، وليد نفسه، لا ندري شيئا عنه سوى أنه لا يزال على قيد الحياة، ألفرد يبكي مع زوجته في حجرة المشفى، ويطلب منها أن تسامحه، والزوجة اللبنانية غير النكدية، كما هو متوقع، تطلب منه ألا يشغل باله ولا يعتل همه.

قد يكون مورال الرواية أن الحياة "مقلب" ما بعد حداثي كبير، وكدا، والجميع غير مسؤول عن أفعاله، حتى المسلّحين، وهذه وجهة النظر الأخطر التي تعرضها الرواية، على لسان المسلّح حسن، شقيق رامي، الذي يلقى حتفه، والذي هو نفسه لا يجد مبرراً لانضمامه للمسلحين، تقدم الرواية رؤية ضبابية مغبشة للغاية عن الحرب، ولعل هذا ما كان ينتويه الكاتب، من البداية، كل شيء، هو ليمبو، نصف حرب، ونصف علاقات عاطفية، وأنصاف بشر، معدومي الارادة بالكاد، فليس ثمة جنة ولا جحيم واضح، ولا حتى مُطهّر، أخرج هذا كوناً بليداً، وشخصيات بليدة. تبقى للرواية بعض "عوامل الجذب"، مثل النسخة السياحية اللطيفة للهجة اللبنانية، لكل هاو للفلكلور، مع مسحات عابرة من النكروفيليا، لكل من له مزاج نكروفيلي. عدا هذا، فهي "عابرون في كلام عابر".

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
5 تعليقات