بأسلوبه الراقي المشوق يحدثنا عميد الأدب العربي في هذا الجزء من الكتاب عن أهم الأحداث التي وقعت في الجزيرة العربية و ما حولها قبيل ظهور نبي الإسلام.
لم يعمد طه حسين إلى تحري الصدق أو إعمال العقل فيما نقله من أخبار تلك الفترة, و ليس قعوده عن تلمس أسباب البحث العلمي في تدقيق ما أورده من روايات نتاج كسل منه أو عدم مقدرة على تتبع هذه الروايات و معرفة ما هو مدعم بأسانيد يقبلها العقل وما هو غير ذلك, و لكن السبب يرجع في الأساس إلى رؤية طه حسين لأهمية نقل أخبار تلك الفترة كما إنتشرت فيها دون تنقيح أو تهذيب, حتى يستطيع القارئ الحديث أن يطلع على فكر و أدب تلك الفترة.
لذا فهذا الكتاب ليس لتأريخ أحداث تلك الفتره و لكنه لتأريخ ما أذيع من أخبار تلك الفترة.
و فيما يلي بعض أجزاء من مقدمة الكتاب يشرح فيها طه حسين لماذا أقدم على كتابة هذا الكتاب بهذه الصورة.
"هذه الصحف لم تكتب للعلماء و لا للمؤرخين, لأني لم أرد بها إلى العلم, و لم أقصد بها إلى التاريخ. و إنما هي صورة عرضت لي أثناء قرائتي للسيرة فأثبتها مسرعا, ثم لم أرى بنشرها بأسا. و لعلى رأيت بنشرها شيئا من الخير, فهي ترد على الناس أطراف من الأدب القديم قد أفلتت منهم و امتنعت عليهم, فليس يقرأها منهم إلا أولئك الذين أتيحت لهم ثقافة عميقة واسعة في الأدب العربي القديم. و إنك تلتمس الذين يقرءون ما كتب القدماء في السيرة و حديث العرب قبل الإسلام فلا تكاد تظفر بهم"
"و أنا أعلم أن قوما سيضيقون بهذا الكتاب, لأنهم محدثون يكبرون العقل, ولا يثقون إلا به ولا يطمئنون إلا إليه. و هم لذلك يضيقون بكثير من الأحاديث التي لا يستسيغها العقل ولا يرضاها. و هم يشكون و يلحون في الشكوى حينما يرون كلف الشعب بهذه الأخبار, و جده في طلبها و حرصه على قرائتها و الاستماع لها. و هم يجاهدون في صرف الشعب عن هذه الأخبار و الأحاديث, و استنقاذه من سلطانها الخطر المفسد للعقول. هؤلاء سيضيقون بهذا الكتاب بعض الشئ, لأنهم سيقرءون فيه طائفة من هذه الأخبار و الأحاديث التي نصبوا أنفسهم لحربها و محوها من قلوب الناس. و أحب أن يعلم هؤلاء أن العقل ليس كل شيئ, و أن للناس ملكات أخرى ليست أقل حاجة إلى الغذاء و الرضا من العقل, و أن هذه الأخبار و الأحداث إن لم يطمئن إليها العقل, و لم يرضاها المنطق, و لم تستقم لها أساليب التفكير العلمي, فإن في قلوب الناس و شعورهم و عواطفهم و خيالهم و ميلهم إلى السذاجة, و إستراحتهم إليها من جهد الحياة و عنائها, ما يحبب إليهم هذه الأخبار و يرغبهم فيها, و يدفعهم إلى أن يلتمسوا عندها الترفيه على النفس حين تشق عليهم الحياة. و فرق عظيم بين من يتحدث بهذه الأخبار إلى العقل على أنها حقائق يقرها العلم و تستقيم لها مناهج البحث, و من يقدمها إلى القلب و الشعور على أنها مثيرة لعواطف الخير, صارفة عن بواعث الشر, معينة على إنفاق الوقت و احتمال أثقال الحياة و تكاليف العيش".
طه حسين بالغصب ؟؟
يا سبحان الله, لولا إختلاف الأزواق لبارت السلع فعلا.