استمتعت بقراءة كل سطر من هذه الرواية و حلقت لأيام عبر الزمان و المكان إلى الصين الشيوعية مع عائلة الكاتبة جانغ شانغ عبر ثلاثة أجيال. تعجبت من شخصية القائد الشيوعي الصيني "ماو تسي تونغ" الذي يذكر على أنه أب الصين الحديثة و محرر الشعب من السلطة الطبقية. كيف يحكم الرجل بلاده بالفوضى و يفرض على شعبه الكوارث تلو الأخرى، من المجاعة إلى حملات التطهير إلى نفي المواطنين إلى الريف لتطويعهم عبر القسوة و الجهد العضلي؟
أعجبت كثيرا بوالد جانغ تشانغ، ذلك الرجل الثابت على مبادئه، الذي أعطى الحزب حياته و قدمه على كل أولوياته بما في ذلك حريته و عائلته، فلم يقدر الحزب تضحياته و لم يعترف بجميله أبدا.
دونت ملاحظات متفرقة بالتوازي مع التقدم في القراءة، بخصوص أكثر الأشياء التي صدمتني في الرواية :
أشياء كثيرة صادمة عن تقاليد الصين و تاريخها : تزويج الرجل من مرأة تكبره سنا حتى تساهم في تربيته !! في زمن الثورة الشيوعية، يمنع على الزوجين قضاء الليل في بيت واحد، بل ينام كل منهما في مركز عمله و إلا اتهم بكونه "يضع الحب أولا" في اعتباراته !! لم أكن قد قرأت شيئا كثيرا عن هذه الفترة من تاريخ الصين (النصف الأول من القرن العشرين) ما عدا عادة تحطيم عظام أصابع القدم عند المرأة لأن صغر القدم من علامات الجمال
"حتى تصبح شيوعيا جيدا يجب أن تتعذب" تلك القاعدة التي حكمت حياة الصينيين لعقود، مفككة العائلات و محطمة الذوات، حين ينكر المرء أصدقاؤه و أفراد عائلته حتى يكون ثوريا حقيقيا، حين تفقد المرأة جنينها دون تذمر أو بكاء لأن في ذلك علامة ضعف لا تناسب الثورة، و حين يتنافس الناس في حمل الحشرات الثورية (القمل) متنازلين عن رفاهية الاستحمام. فظاعات شديدة، و الرحلة مازالت مستمرة
أشد ما أثر فيّ، قصة أم الكاتبة التي أجبرت على السير على قدميها ثلاثة آلاف ميل معانية آلاما مبرحة (حتى سقط جنينها) في حين كان زوجها المسؤول الحزبي يركب سيارة، لأنه "ذو رصيد نضالي كاف" في حين أنها مازالت مستجدة في الحزب و عليها إثبات أهليتها للثورة !! كرهت ذلك الزوج الذي لم يتصل بزوجته أو يزرها مرة واحدة طيلة فترة التحقيق معها (ستة أشهر) بتهمة أن لها علاقات سابقة مع أشخاص ضد الثورة، و ذلك حتى لا يتهم بالمحسوبية و تقديم العلاقات العائلية على الولاء للحزب
ذلك الأب الذي أرسل أطفاله إلى حضانات مختلفة في غياب أمهم و تابع سفره عبر البلاد دون أن يوبخ نفسه على تقصيره، فالتقصير الوحيد الممكن في قاموسه هو تجاه الحزب
أشياء لا تصدق تروى في هذا الكتاب : الزعيم ماو تسي تونغ، رئيس الحزب الشيوعي أراد أن يسابق أمريكا و بريطانيا في صناعة الفولاذ بشكل أخرق فجمع الفلاحين من الحقول و كلفهم بصهر الفولاذ حتى أصابت البلاد مجاعة شديدة ذهب ضحيتها عشرات الملايين !!! لأنه لم يكن هناك من يزرع. لكن ماو فسر الأمر بـ"كوارث طبيعية" موهومة تخيل كل فرد أنها حصلت في مكان بعيد ما من الصين الشاسعة، لأن الإعلام كان بيد الحزب و لا أحد يمكنه التثبت من الأخبار
حزنت من أجل ذلك الأب الذي قسا على زوجته و أولاده في وفاء صارم لمبادئ الحزب الشيوعي، ثم غدر الحزب به و جعله كبش فداء، لكنه مع ذلك ظل على مبادئه و رفض الانتقام بنفس الأساليب الدنيئة التي استخدمت للتنكيل به. رجل مثل هذا يستحق الاحترام
عجيب أمر هذه "الثورة الثقافية الصينية" التي لا تمت إلى الثقافة بصلة. سمتها الغالبة هي الوحشية و الهمجية. سنوات عذاب لشعب كامل مصحوبة بغسيل دماغ شديد فيهيأ للفرد أنه يصلح نفسه من خلال خوض غمار حياة الشقاء اللاإنسانية
رواية رائعة تشهد على تاريخ شعب بأكمله. أنصح بقراءتها و بشدة