review بدأت قراءة الرواية بحكم مسبق سلبي
préjugé défavorable
و تمنيت أن تخيّب الرواية أملي... لكنها لم تفعل.
كنت قد قرأت لأحلام المستغانمي ذاكرة الجسد و لم أكمل الثلاثية. اكتفيت بالجزء الأول من أسلوب الكاتبة الغارق في الشاعرية و الشعرية. كنت أريد أن أقرأ رواية و ليس شعرا أو مجموعة من الخواطر المنمّقة المتناثرة التي تصلح للاقتباس، للتأمّل أو للزخرفة اللفظية، لكنها قطعا لا تصنع نصا قصصيا متماسكا
لكن حين صدرت هذه الرواية بعد قرابة عشرين سنة من صدور الأولى، فكرت أن تجربة الكاتبة قد تكون أكثر نضجا، فأردت أن أعطيها فرصة. لذلك، حين وصلتني نسخة الكترونية من الرواية بدون أن أسعى إليها، قلت لمّ لا؟
لكنني ازددت اقتناعا مع تقدمي في القراءة أن أحلام لا تكتب لمن هم مثلي. هي تكتب للباحثين عن الحب، للمفتقدين إليه أو للغارقين فيه، أشخاص يحبّون الغزل و معجم الحبّ و الحديث عن الحبّ تحت مسميّاته المختلفة و لا يملّون من التأمّل في العبارات الناضحة بالمشاعر و لا تزعجهم الفقرات المتتالية التي تسهب في ذكره مقلبة إياه على جميع وجوهه. لكنها لا تكتب لمن هم مثلي، واقعيون و أقدامهم راسخة على الأرض.
هي تكتب لمن يؤمنون بالحب سلطانا و حاكما متوّجا لا ينازعه الحكم أحد، لا دين و لا أخلاق و لا قيم. لا تكتب لمن هم مثلي، يعتبرون الحبّ جزءا من الحياة لا الحياة كلها و يرون أن الزواج هو الإطار الطبيعي للحبّ، و أن الأخلاق فوق الحب.
لذلك لم أجد نفسي أتأثر بأي من حكايات أبطالها. بل أنني لأعجب من ولع أحلام المستغانمي بالعلاقات التي تجمع فتاة عشرينية برجل في عمر أبيها! بما أن الأمر تكرر في الثلاثية ثم في الأسود يليق بك، بدأت أفكر بأن الأمر ليس مجرد صدفة. ثم هو رجل متزوج أيضا و مع ذلك فإن البطلة "الرقيقة، الشجاعة، الذكية، التي وقفت أمام الإرهابيين و أجبرت الجميع على احترامها بحدادها و ثيابها السوداء" لا ترى الضرر في ذلك، و تنساق وراء علاقة لا أمل فيها. لا مانع إن قبّلها، طالما لم يرهما أحد، و لا مانع إن شاركها الفراش، طالما لم ينل منها بالكامل !!! و فوق ذلك الرواية تكاد تكون خالية من الأحداث. مجرد استعراض لأساليب الأثرياء في الغواية : تارة يحجز صالة عرض كاملة في القاهرة لتغني من أجله فقط، و تارة يحجز صالة فندق في فيينا لعشاء رومنسي لا يحضره غيرهما، و أخرى يشتري من أجلها شقة باريسية لتكون عش حبهما... مجرد ترهات تجعلني أتساءل ما الفرق بين هذه الرواية و روايات "أحلام" و "عبير" المراهقة؟
لست ضد الحب بصفة قاطعة، أبدا... بل تؤثر بي مشاهد الحبّ النبيل و مشاعر الحب الراقية في روايات كثيرة. لكنني لم أشعر بالحب في أحداث الرواية. قرأته كلمات تتكرر في جمل مبهرة بزخرفتها خاوية في أعماقها. فهالة لم تحبّ طلال. أحبت حبه لها، أسلوبه في تدليلها و مفاجأتها، سطوته عليها و شخصيته الغامضة. و طلال لم يحبّ هالة. أحب براءتها، أنفتها و حدادها الراقي، فقرر أن يمتلكها. نعم قرر و خطط لإغوائها على مراحل دقيقة. لذلك لا، لا يؤثر بي هذا النوع من الحب. و يدهشني أن الكانبة أرهقت نفسها لتصوغ معاني جميلة حول قصة لا تحوي نقطة من الجمال
المقاطع الوحيدة التي شدت انتباهي هي المقاطع التي خصّت الأحداث المأساوية التي عاشتها الجزائر منذ سنوات. قمع الإسلاميين، ثم تحوّل بعضهم إلى الإرهاب، و فرار الكثيرين "حرقا" ليكون مصيرهم أكثر مأساوية. نعم شدتني تلك اللفتة التاريخية، و مع ذلك فقد أحسست في كلمات الكاتبة تحاملا على الإسلاميين. مثل هذه الوقائع تستدعي الاستماع لأكثر من طرف، و لا شك أن هناك روايات أخرى تتعارض كليا أو جزئيا مع رؤية أحلام المستغانمي للأزمة الجزائرية
أخيرا، أتمنى على الكاتبة الموهوبة صاحبة القلم الذهبي أحلام المستغانمي - لو حصل و مرت من هنا صدفة أو قدرا - أن تكتب شيئا ما عن قضايا الأمة و همومها. شبعنا حديثا عن الحب و العشاق و نحتاج ثورة أخلاقية تنهض بأمتنا، لذلك لا تهدري طاقتك و لغتك الراقية في القبل و العناق و اكتبي شيئا تتركين به بصمة للتاريخ