الخندق الغميق > اقتباسات من رواية الخندق الغميق > اقتباس

وكانت أمه هي التي فتحت الباب، فرآها تباغت فتتراجع وهي تتقيه بيدها، فأدرك أنها ظنته غريبا بهذا المظهر الجديد، ثم ما لبثت أن ارتدت إلى الباب وقد اتسعت حدقتاها وصاحت:

- أنت ... سامي.. حبيبي... الشيخ سامي...

ودخل البيت، فأقبلت عليه تضمه، ثم تتراجع وتنظر إليه من مسافة قريبة:

- لقد أصبحت شيخا إذن يا سامي؟ .. لقد انتهى الأمر إذن.

فلم يجب بكلمة. ورآها تحدق في وجهه ثم تقول بحرارة واهتمام:

- ولكن ما هذه الدموع على عينيك ووجنتيك؟ أنت تبكي؟ لماذا يا حبيبي؟ أتبكي لأنك أصبحت شيخا؟ لماذا يا...

وقطع عبارتها صوت عريض انبعث من خلفها يقول:

- ما هذا الكلام التافه؟ وما هذه الأسئلة السخيفة؟ لماذا لا تفتحين عينيك جيدا لتري أن هذا من ماء المطر، وليس من الدموع؟ صدق النبي الأكرم: النساء ناقصات عقل ودين...

ثم التفت أبوه إليه وعلى شفتيه ابتسامة عريضة وأخذ يرحب به:

- أهلا بالشيخ سامي.. أهلا بالابن البار...

وراح يشده إليه، ثم أخذ يلامس جبته برقة وتؤدة، وتناول عمامته ينفض عنها ما علق بها من ماء، وما لبث أن أخذه من يده وقاده إلى غرفته وهو يقول له:

- امسح الماء عن وجهك يا بني.. رضي الله عنك وأرضاك.

وحين وقف أمام المرآة، والمنشفة في يده، رأى باب الغرفة وقد سدته وجوه إخوته وأمه، وتطلع مرة أخرى في المرآة، ورفع المنشفة إلى وجهه، فلم يدر هو نفسه: هل كان يمسح قطرات من المطر سقطت على وجنتيه أم دموعا سالت من عينيه؟

مشاركة من المغربية ، من كتاب

الخندق الغميق

هذا الاقتباس من رواية

الخندق الغميق - سهيل إدريس

الخندق الغميق

تأليف (تأليف) 3
تحميل الكتاب