دستينو > اقتباسات من رواية دستينو > اقتباس

أُدرك تـمامًا أن الليلة غير مناسبةٍ للتوقف أمام أي شيء، لا وقت للتَّذكُّر، لا فرصة للتأمل، لا فسحة للمُراجعة، دارت عجلات الزمن ثقيلةً فوق قضبانـه الملساء، ولا أعرف في أي يدٍ يكمن الكابح كي أوقفها. لكنني على الرغم من ذلك، لا أستطيع أن أدفع عن ذهني الأفكار، أفكارًا تتسلل كالحيّات من جحور الماضي لتزحف فوق سطح مكتبي، قاصدةً دماغي الـمُثقلة. أفاعٍ لـم تُفلح الخمر في تغييبها، لـم يشغلها عن هدفها دخانُ سيجاري الـمُتلوّي نحو السقف أمامها، كمزمار فقيرٍ هندي..

أوووفف، كفاك ادعاءً يا ابن الآدم.. ليس اليوم على الأقل!

أي فقيرٍ هنديٍّ بائسٍ سيصطفُّ إلى جوارك مُواجهًا أفاعي الماضي؟ ماضٍ عصيٍّ على التآكل كأنه حجر رشيد. يالـها من مسافةٍ كبيرة تفرق بين سيجار «بادرون» ومزمار فقيرٍ هنديّ.. هيهات أن تستكينَ الأفاعي أو تستجيبَ لإرادتي، فتتراجع أمام عصاي الكوبيَّـة الثمينة، الـمحشوة بأنقى ورقات التبغ، يـتسرَّب من طرفها الدخان مُفرغًا جوفها من الروح. ليست عصا موسى كي تبتلع الحيّات من أمامي.. ليست عصا سليمان فتُقيمني في وجه الزمن.. هي سيجارٌ وحسب، حسبها أن أسحب من طرفها روح التبغ كي أملأ فراغَ روحي، ثـم أزفرها وأُلحِقها بـما تسرَّب من طرفها الآخر..

أي هراء هذا الذي أثرثر به؟ سحقًا للخمر ولضيق الصدر! لِـمَ لا أتشاغل بـمتابعة ما يجري أسفل مني على المسرح وأغرق في الصمت؟.. ربـما لأن الصمت لـم يُنهِ مشكلةً قط، أو أنني قـرَّرت ألا أتشاغل منذ اليوم، فالتشاغل ادعاء، والادعاء زيٌّ تنكريٌّ بالٍ، مُهترئ، لـم يعُد يليق بي إن أردتُ أن أستشعر القوة من جديدٍ، وأستعيد الثقة..

مشاركة من المغربية ، من كتاب

دستينو

هذا الاقتباس من رواية

دستينو - أحمد القرملاوي

دستينو

تأليف (تأليف) 3
تحميل الكتاب