تعلّمتُ من جدي طلبة تأمل الناس كثيرًا، والأشياء أيضًا، كان يصنع من المخلفات أشياء مفيدة، تُسميها أمي «مخترعات» أبوابًا وكوالين وسنارات صيد، هوايات عجيبة يُسلِّي بها نفسه ويُنفق وقته، كان يقيس عمق المصرف بغابة، يعشّقها فى أخرى ثم يربطها بدوبارة، قال لى يومًا إن عمقه أربعة أمتار ونصف، لكن فيم تفيد هذه المعلومة؟! عرفت فيما بعد أنه يريد أن يصنع عكازين خشبيين، يعبر بهما إلى الضفَّة الأخرى، باءت الفكرة بالفشل؛ بسبب عدم وجود مركز ثابت يسند إليه العكازين، لكنه لم ييأس، صنع مرتكزًا من خمسة أصابع يشبهون اليد، وسنّادة لقدمه على ارتفاع أربعة أمتار ونصف المتر، توقّف اختراعه مرّة أخرى بسبب ضعف العود الخشبى الرئيسى، الذي لم يتحمّل الثبات لكل هذا الارتفاع. سألني جدي ذات مرّة سؤالًا لم أعرف له إجابة وقت طَرْحه:
«ليه الخلخال النحاس بيغرق والطشت النحاس بيعوم؟».
يدور عالم من الأفكار بشكل دائم في خياله، يسرح كثيرًا في دنيا الله الواسعة، اخترع ذات يوم شيئًا مفيدًا، لايزال يستخدمه حتى الآن، «كالون» خشبيًّا برفّاس، صنعه بمقاييس دقيقة في صبر يُحسد عليه، قَدَّ له إصبعًا من الكربون كان عمودًا في حجر قلم، نعَّم استدارته بموس حلاقة، وربط في الإصبع مسمارًا معقوفًا وعلق فيه حبل تيل، ركَّب على الحبل بكرة كانت مروحة غسالة، ليَّن الحبل بالشبَّة والصابون حتى أصبح يستجيب عند أقل لمسة، ثم ركّب الكالون في باب البيت الصاج وجعل طرف الحبل فوق السطح بشكل دائم، بذلك كان جدي طلبة يشرب الشاي أو يعفر سيجارة وهو متسلطن، وعندما يقرع ضيف الباب، يجذب جدي الفتلة من فوق، فيفتح الكالون من تحت، أما لو لم يرغب فى دخول الضيف فلا يهتم، يجلس بعيدًا عند منتصف السطح؛ حتى لا يراه الطارق غير المرغوب فيه فينصرف.
مشاركة من المغربية
، من كتاب