أنا وريثة الاثنين، مهووسة بتفكيك العالم وإعادة تركيبه، أقتنص حكاياتي من حولي. في مخبر التحليل منتظرةً دوري، أتأمل الوجوه: (هذه لاتنفع لتكون شخصية روائية)، أحذفها من رأسي، (هذه العجوز تشبه شخصية شاهناز في روايتي التي أمتبها الآن، سآخذ روحها) وهكذا .. أسجِّل تفاصيل هؤلاء الذين سينفعونني.
آخذ أرواحهم معي، من دون أن يعرفوا، أعمل منهم نسخًا صغيرة وأخبئها في منجمي الصغير. أجمعهم من الشارع، ومن المترو، من المقهى، من الفيس بوك، من السهرات والاحتفالات والمناسبات الكبيرة، آخذ قطعًا منهم، عينٌ هنا نظرة من هناك، لمسةُ من هنا ابتسامة من هناك، أضعهم في منجمي، أصهرهم داخل مخيلتي، فيخرجون كائناتِ جديدة، لاتشبه النسخ الأصلية، لأن أصابع الكتابة تتدخّل في تعديل التفاصيل والملامح، كمفك أبي الذي يثبّت برغيًا يأخذه من قطعة ما ليضعه في قطعة أخرى ..
أسرق هذا العالم، كما كان "جان باتيست غرونوي" يسرق رائحة أجساد النساء ليصنع عطره، أقتل العالم الخارجي، لأعيد خلقه إبداعيًا، في عالمٍ يُكتب له الخلولد أكثر، حيث "مدام بوفاري" صارت أهم من "فلوبير" و"أنطوان روكنتان" أهم من "سارتر" و "راسكولنيكوف" أهم من "دوستوفيسكي"، وغيرهم من الأبطال الذين تتجلّى أهميتهم في كونهم لم يكونوا من لحمٍ ودم وصناعة إلهية، بل أبطال على ورق صنعتهم مخيلة إنسانية، منحتهم احتمالات أن يكونوا بصيغٍ متعددة في رأس القارئ، وعلى شائة السينما، ربما ليحيوا حيواتٍ محددة لا حياة واحدة محصورة بتاريخ الميلاد والوفاة، يعيشون في الرواية، ذلك المنجم الذي يخلق حيوات الآخرين المتعددة، المنجم ذاته يحوي طبقاتٍ متعددة من بشرٍ وحكاياتٍ وأمكنه تحيا داخله . طبقات هائلة من حيوات الواقع المتراكمة ينهيها الموت الذي يعجز عن أن يُنهي حيوات أبطال الروائي ...
مشاركة من إبراهيم عادل
، من كتاب