وحدها شجرةً الرمان بقيت شاهدة على مايحصل هناك في بلاد الرافدين على مدى ثلاثة عقود، وخلال ثلاثة حروب مرت على الشعب العراقي. بقيت شجرة الرمان في باحة (المغيسل) مغسلة الموتى في أحد محلات حي من أحياء بغداد، تزهر كل ربيع والمارّون من حدود الحياة إلى الموت يعبرون من أمامها لكي تشرب من مائهم وتزهر ثمرات رمان تنبثق من الموت
جواد كاظم الفنان الذي رفض أن يعمل في مهنة أبيه مغسل الموتى، لأنه يرى في نفسه الفنان الذي يستطيع أن يقوم بشيء لم يقم به أحد قبله، فكان رائد أستاذ الفن أول من أثنى على موهبته في الرسم في المدرسة وبذلك فتح طريقاً في قلب جواد سيغير من مستقبله كله، ولكن هل فعلاً ستتغير طرق الحياة وتقاديرها من خلال ثناء؟
في حربين مجنونتين ومواجهة حصار اقتصادي مريع فاحتلال أمريكي أباد كل شيء. هذه الصورة العليا للأحداث ، أما الصورة الاخرى التي عاشها الشعب،هناك حيث لا أحد يستطيع تصور حجم المأساة كان سنان انطون. في عبقريته التي صاغت رواية زمنة مختلفة، ومغرقة في سرياليتها المتمثلة بالأحداث من قتل وتشريد.
أما من ناحية الوصف فجاء وصف سنان أنطون مليئا بالجمال، واللغة القوية والمؤثرة، فوصف ثنائية الموت والحياة وما يدور بينهما بين المغيسل وشجرة الرمان، بين مقتل أحدهم ولثم شفتا ريم، وبين قطع رأس إنسان من قبل المتشددين وبين همسات غيداء لجواد :"سوي بيه شما تريد".
هذه الثنائية بين الجمال والقبح، بين الحياة والموت، بين العشق في أبهى صوره والكره في أحقد حالاته، قدمها أنطون شكل مميز جداً، رفع بها هذه الرواية إلى مصاف أهم الروايات العربية في الأعوام الأخيرة. فهذه الجرأة في وصف حجم المأساة العراقية بهذه الطريقة كانت من أهم ميزات سنان أنطون في تقديم رواية لأجيال عدة ستعلم من خلالها تلك الأحداث التي صاغت حاضر ومستقبل شعب ضربت جذوره عميقاً في تاريخ تحضر الإنسان.
مشاركة من Rudina K Yasin
، من كتاب