لكنّ بكاءه الذي كان يبكيه، والذي يشبه العواء، حملها على صرف كلّ صور الرعب الوهميّة تلك، والاطمئنان إلى وداعة الطفل، وضعفه، وفداحة المحنة التي يكابدها عواؤه كان يعتصر قلبها في الحقيقة لم تبالِ بجناحيه المفرودين على الرغم من غرابتهما، ولا بجلده العاري المتّسخ، ولا برأسه الأصلع الصغير الذي لا يكفّ عن الاهتزاز، ولا بمنقاره الضخم الذي توهّمته قبل قليل، أو مخالبه المشحوذة كالسكاكين، أو عينيه الشرّيرتين والشرر المتطاير منهما كلّ ما كان يستثيرها هو هذا العواء الطويل الممتدّ الذي يخرج من فمه حارّاً وواخزاً، متّجهاً إلى القلب مباشرةً، مغرقاً إيّاه بسيلٍ من الحزن والألم، ما يجعلها ترتعش، وأحياناً تختنق.
متجاهلةً ذلك كلّه، ومقاومةً كلّ ما كان يقيّد قواها الجسديّة من يأسٍ وإحباط، واصلت التقدّم.
العاوون > اقتباسات من رواية العاوون > اقتباس
مشاركة من إبراهيم عادل
، من كتاب