سيتوقع من يشاهد الفيلم أن حواري القصير الغني مع “رمزي” على باب العمارة سيكون مقدمة لقصة حب، هذا لأنني لم أوضح أن “رمزي” كان يزوغ ببصره بعيدًا عني، ويبعث بنظرات غزل وحنين نحو محطة المترو التي كان يهرب من شقتهم ليهيم بها. هذا فضلًا عن أن “رمزي” كان محرمًا عليَّ لأسباب عدة، أبسطها هو أنه قد تزوج وصارت له عائلة في البلد البعيد، وأغربها هو أن أمي قد أحبته كابن، فيصير لي “أخًا محرمًا بالمحبة”. علمتني دراسة الأنثروبولوجيا أن ما تعده غريبًا في وطنك قد يكون عاديًّا في مجتمع آخر، لذا اخترعتُ بعض المعتقدات والمسميات التي تريحني، والتي غالبًا ما يكون لها نظير عند قبيلة ما، في مكان ما على الكرة الأرضية. أما السر الأول الذي حجبته عن “رمزي” وكان هو السبب الأهم من وجهة نظري في استحالة تواصلنا كحبيبين فهو أنه كان حب “رويدا” الأول. فأكثر ما غاظني يوم اشتكيته لأمي، كونه رآني طفلة حمقاء تلهو مع “رويدا”، التي لا بد وأن تكون بلهاء بدورها. نعم كانت “رويدا” في السابعة من عمرها، لكننا كنا نعي معنى الحب، وكنت أرسمها بالطباشيرة نفسها على الحائط وهي ترتدي طرحة زفاف، وبجوارها رجل يمسك عصا وأكتب بخط طفولي على وجهه “رمزي”. كانت العصا هي العصا الأبانوس المطعمة بالنقوش الفضية، التي يمسكها والد “رمزي” للتباهي باقتنائها، ولا أدري إن كنت أعبِّر بها عن فخامة كلماته، أم لأنه كان يحمل عطر والده نفسه؛ “آزارو” الذي أستطيع الآن أن أفرز مفرداته؛ في أعلى العطر نلاحظ الينسون بوضوح، ممتزجًا مع الليمون والريحان، وفي منتصف العطر خشب الصندل، وتوت العرعر، ونجيل الهند العطري وأخشاب الهيل، أما قاعدة العطر التي تبقى حتى بعد أن ينصرف صاحبها فهي رائحة الجلود والعنبر والمسك والطحلب.
سر العنبر > اقتباسات من رواية سر العنبر > اقتباس
مشاركة من إبراهيم عادل
، من كتاب