كم من أصوات بلا ملامح ترامت إلينا من السكان المؤقتين الذين يتناوبون على تلك الشقة المفروشة. لم ألتفت إلى أي من حكاياتهم التي يبددها ارتفاع الحوائط واتساع الغرف، فأصير مثل مسافر غريب في محطة عتيقة، يفوته القطار بسبب رداءة المكبرات وصدى الصوت الذي يمحو نفسه بنفسه. مرات قليلة التي استبينت فيها الأصوات، وهي تلك التي كانت تتوسل إليَّ جارتي “كارا” في طفولتنا لكي أجعلها تدخل الخزانة لتتنصت على السكان الجدد، أو حين كنت أدخل إلى الخزانة السحرية لأعلق معطفًا أو للبحث عن سترة صوفية، فالحائط رقيق جدًّا بداخله. إلا أنني كنت أخرج منها سريعًا وأغلق بابها إن سمعت شابًّا يسب أمه، تعقبها دعوة تلك الأم عليه، أو حين يجلب ساكنًا امرأة ويتبادلان حوارًا سريعًا للتعارف في غنج ودلال، يتحول إلى تأوهات حسية عالية.
أخشى أن تفوح رائحة العطن في الغرفة إن تركت المعاطف بداخل الخزانة. كما لن أتمكن من إرسالها إلى محل التنظيف الجاف، حفاظًا على قواعد التباعد الاجتماعي. وإن غامرت وفعلت، سأضطر إلى الدخول في دوامة التفكير في أي موضع لمست أصابع العاملين ملابسي، وإن أعطيتهم مبلغًا وأعادوا إليَّ الباقي، سأحتار أي العملات طالها الفيروس، وكيف سأعيدها ثانية إلى كيس نقودي، وألمسه بيدي وأنا أدسها فيه، ثم أسهو وألمس وجهي وأحك أنفي قبل أن أطهر يدي بالكحول، ناهيك عن أزرار الكهرباء ومقبض باب الشقة والمقاعد والحوائط. من الأريح أن أحمل المعاطف إلى شرفة المطبخ الخلفية، ولتسطع الشمس حين يحلو لها وتجففها هي والنسيم الليلي. فحتى وإن علقت بالملابس بقايا عطن، فهو أهون من أن تتلوث بالوباء ويستقر مستريحًا في أرجاء بيتي.
سر العنبر > اقتباسات من رواية سر العنبر > اقتباس
مشاركة من إبراهيم عادل
، من كتاب