بقيت موني جالسة على المقعد رغم أنّها باتت تشعر بالتحسّن. انتظم تنفسها ولم تعد تتعرق، ولم تعد ترى النقاط السوداء العائمة التي أزعجتها قبلُ. انحدر الطريق أمامها وارتفع مجدداً بين جرفين صخريين هائلين. خلف الصخور تقع القلعة ولكن لم ترَ منها سوى أعلى نقطة فيها وكانت بلون رمادي وأبيض. بدت القلعة محمية وبعيدة عنها، لكنّ موني أقرّت في نفسها بجمالها، واقتنعت أنّ كل ما ستراه منها هو هذه اللمحة البعيدة. أخرجت هاتفها وضغطت على تطبيق القرآن. قرأت القرآن كل يوم، أو حاولت على الأقل. في أحيان كثيرة، وبسبب احتياجات آدم، لا تتمكن من قراءة أكثر من صفحة أو صفحتين، أمّا في الأيام السيئة، فلا تتسنى لها فرصة القراءة أبداً. بدأت الآن بالصفحة الثانية بعد أن انتهت من الأولى، وخطر لها أنّها الآن حرّة لتقرأ العدد الذي تريده، فصوت آدم لن يدعوها، ولن تقاطعها حاجاته. وكلما أمعنت في القراءة، فقدت اتصالها أكثر بالعالم الخارجي. كانت قدرتها على التركيز قد تراجعت مؤخراً. انتقل عقلها بين هنا وهناك مع صور لآدم وعينيه ويديه. كان في وسعها سماع صوت تذمره وكلماته غير المفهومة وشمّ رائحته، ولكن هذا لم يقطع سيل قراءتها هذه المرة. شقّت أفكار سخيفة طريقها إلى رأسها رغم أنّ لسانها نطق بالكلمات المقدسة. عرفت أنّ هذا لم يكن جيداً بما يكفي، وأنه يجب عليها أن تقرأ بقلب وعقل صافيين. علمت أنّها تحتاج الترفع عن ظروفها ومخاوفها اليومية ومشكلاتها مع مرتضى. أدركت أنها لم تكن تتعبد الله كما يجب، ولكن هذا لم يمنعها عن مواصلة القراءة. تابعت منغمسة في القراءة. استمرت تحاول دون أمل في النجاح أو شعور باليأس، لكونها تفعل هذا دون أن تحسب نفسها متعبّدة ملتزمة ما يمنحها القوّة والقدرة على الفعل بدقّة. كانت تشعر أنّها فاشلة وغير كفوءة، لكنها بدأت تمتّع نفسها بعدما استعاد تنفّسها إيقاعه الطبيعي
مشاركة من إبراهيم عادل
، من كتاب