بدا لي وقتها أن أسمى ما يمكن أن يفكر فيه الإنسان هو كيف وجد؟ كيف يعمل الكون؟ من أين وإلى أين؟ كيف تتسرب تلك الرؤى الكلية عن الإنسان والعالم وفهمنا للكون إلى معاملاتنا اليومية البسيطة؟ هذه هي الغاية المثلى للعالم وأسمى آيات النشاط الإنساني ووعي الإنسان، لكنني لن أنكر أن كلماته زلزلتني كما أشرت سابقًا.
لوهلة شعرت باللعنة التي كُتبت عليَّ لتكون أبدية، كنت قد استشعرتها سابقًا حينما فكرتُ في خيارات المكث في مصر أو السفر، المكث يحمل مشقة البقاء وسط تيارات الفوضى والقمع والانهيار والفقر بين العينين ضارب في كل مجال، مادي ومعنوي والسفر يحمل لعنات الغربة وفقدان القضية والبوصلة والرغبة، كان الشقاء في كل خيار وخطوة.
هكذا شعرت بهذه اللعنة الأبدية التي خالطت جيناتي ووجهتها لأكون ما أنا عليه ما دام ميلادي قد قُدِّر له أن يكون في هذه الأرض وهذه الظروف، للحظات شعرت كذلك باللا جدوى واللا معنى واللا قيمة، سخرت من مقولات المتعة في الطريق ولنشق العباب، ساعتها تجد أن الراحة الوحيدة تكمن في الاستسلام والتسليم، تترك نفسك لصخب البحر كي يلقي بك على شاطئ الشيخوخة ولا ترهق نفسك بالتفكير في العنت، تمرر الأيام وتتغنى براحة السلام النفسي وجمال الصوفية الذي يكفل لك تناغمًا واتحادًا مع العالم، تنفرج أساريرك وقد اتخذت سمت المراقب من الخارج، تضحك في سخرية من كل شيء، وتدَّعي أن ما يحدث هو جزء من خطة كبرى شديدة الجمال (قد تكون محقًّا)، تدعي كذلك أن ما يعنيك هو الصورة الكلية، أما الصور والأحداث الجزئية فهي لا تعنيك وأنت لست وقودها أو جزءًا منها، لست فأر المتاهة ولن تكونه (أنت أبدًا غير محق في هذا).
إلا أن ذلك لم يدم طويلًا، في الصباح فتحت النافذة وتنشقت هواء ساعات النهار الأولى قبل أن يصيبه الركود والحرارة والتلوث، واشتبكت من جديد مع التجربة كجزء منها، ترس في ماكينتها، تجبره القوى كثيرًا وتنتهكه وتسحقه وقد يغلبها في أحيان أخرى قليلة، لكنه طول الوقت عرضة للاحتكاك والشرر والكسر والبري و«التكهين».
حكايات لا تروى كاملة التطور... الايثار.. الحمض الننوي > اقتباسات من كتاب حكايات لا تروى كاملة التطور... الايثار.. الحمض الننوي > اقتباس
مشاركة من إبراهيم عادل
، من كتاب