لم ترد. لم تقل شيئًا. بكى وعَدَّ بكاءه تنازلًا رهيبًا، بطاقة استسلام تمحو ما تقدم من ذنبه وما تأخر. أرادت فقع الفقاعة التي يعيش فيها، أرادت إخباره بمدى تفاهته وتفاهة أسبابه التي يظنها درامية، وتفاهة بكائه ودموعه وانهياره واعترافاته. أرادت أن تصفعه على وجهه. لا، بل أرادت ضربه ضربًا مبرحًا في كل أجزاء جسمه، لكنها خافت. خافت أن تخسر الميزة الصغيرة التي اكتسبتها: شعوره بالذنب ووعده ألا يكررها وأن يعتني بها وبالعيال ويضعهم في عينيه. لو عبرت عن مشاعرها الحقيقية لفقدت هذا الوعد وهذا الذنب. وماذا يبقى لها عندئذ؟ لا شيء. تعود صفر اليدين، وربما يطلقها ويتزوج بإحدى هؤلاء الفلسطينيات البيضاوات ذوات العيون الزرق، اللواتي يملأن بيت السمكة والرميثية. وساعتها ماذا تفعل هي وعيالها؟ أما إذا ابتلعت غصتها، ودارت على شمعتها المحروقة، فسوف تتقد وتعيش، هي والأطفال. ربتت بكفها عليه فاحتضنها، وشعرت برجفة تجتاح جسدها كله. صحيح أنها لا تطيقه، لكن لم يحتضنها أحد منذ ثلاث سنوات.. لم يلمسها أحد منذ ثلاث سنوات. اهتزت كلها من أعمق أعماقها، وكرهت نفسها وهي تنساق له على الرغم من حنقها عليه. وبين دموعها ولهاثه وهمهمات الجسدين، أقسم لها إنه لم يعرف امرأة غيرها طيلة هذه السنوات
حِكاية فرح > اقتباسات من رواية حِكاية فرح > اقتباس
مشاركة من إبراهيم عادل
، من كتاب