مرة، في ليلة مطيرة، في الثمانينيات، استدعى مجموعة من كتاب الستينيات إلى خيمته بقلعة باب العزيزية العسكرية، لمنادمة من نوع خاص، كان القائد ينتظرهم في الداخل على مقربة من النار التي يحب إشعالها أينما ذهب، كان عديله ورجله الأمني الأول «عبدالله السنوسي» يحرك في أعوادها عندما دخلوا على قائدهم متوجسين، رفع السنوسي رأسه من على النار وشيعه نحوهم وهو يسأل قائده، إذا ما كان عليه أن يجلب «السوط»، وبعد هذا التمهيد المريع، جلسوا لمنادمة العقيد، الذي ابدى رغبة في سماع شعر علي صدقي عبد القادر،(95)الذي كان حاضرًا، مما استدعي ذهابه لبيته لإحضار أوراق قصائده، تحت المطر، وما إن بدأ قراءة الشعر، في تلك الأجواء، حتى بدت ضحكات مخنوقة تُسمع من بعض الحاضرين، ليتبين أن كل ذلك العناء الذي تكلفه الشاعر الكبير، كان مجرد فقرة صغيرة للترفيه عن القائد بعد يوم «ثوري» طويل، لقد كان المطلوب هو التسلي بكلام الشاعر، الذي يعتبرونه نوعًا من الطلاسم المُضحكة التي يمكن النسج على منوالها للأبد، وفي نهاية تلك الجلسة المُخيفة، وربما بسبب ما أضافته قصائد صدقي من تخفف و»انبساط»، تشجع أحد «الضيوف» ورجا مستضيفه في باب خيمته، أن «تُزيل عنا هذا السيف»، أي تهمة الشيوعية، وسانده رفاقه بالتمني عليه أن يعاملهم بعرف من دخل الثورة فهو آمن، فصحح لهم العقيد بأن «من دخل الخيمة فهو آمن»، وهي من أبلغ العبارات التي يصف فيها الحال كما هو، جملة حددت بدقة الحوزة التي ينبغي الدخول لها لمن أراد النجاة، بيت أبوسفيان الجديد.
مشاركة من Enas Al-Mansuri
، من كتاب