وبدا من الصعب تصديق أن هذه البلاد كانت من عشر سنوات فقط، تملك قطاعًا خاصًا مجتهدًا، صحافة بسقف ومحتوى واعدَين، وحركة فنون تملك هوية خاصة وحضورًا، كل هذا يجره مستوى نمو يكاد لا يصدق وصل إلى سقف 14%. لكن العقيد اختار في مقابل كل هذا طريقًا مختلفًا ومضادًا، طريق التحول «من الدولة إلى الثورة»، في رحلة معاكسة لمسار التاريخ، لمدة عقد كامل، منذ السنتين الأخيرتين من السبعينيات، استمر جسد الدولة في التفتت، وكل يوم يصبح العبور لليوم التالي أكثر صعوبة من الذي مضى. كان النقل العام قد أصبح متوقفًا بالكامل، والعمل الخاص جريمة تحاكم عليها في التلفزيون، والصحافة بدعة برجوازية، وأسواق البلد ومتاجره مجرد اطلال، حيث تمضي في شوارع كاملة بين صفين من الدكاكين المقفلة في وسط المدن، وتحولت البيوت إلى قلاع صغيرة محصنة بشبابيك وأبواب حديد بشعة المنظر من أجل توفير الحماية الخاصة، التي بدت تغيب وسط الشعارات الكبرى بالتدريج، ولتكتمل صورة الوحشة التي عمت آنذاك. في تلك البيئة الجدباء، وحدها كانت اللجان الثورية، من يحتفل كل يوم بهذه النعم.
مشاركة من Enas Al-Mansuri
، من كتاب