والذين يتعلقون اللغات الأجنبية ينزعون إلى أهلها بطبيعة هذا التعلق، إن لم تكن عصبيتهم للغتهم قوية مستحكمة من قِبَل الدين أو القومية؛ فتراهم إذا وَهَنَت فيهم هذه العصبية يخجلون من قوميتهم ويتبرءون من سلفهم وينسلخون من تاريخهم، وتقوم بأنفسهم الكراهة للغتهم وآداب لغتهم، ولقومهم وأشياء قومهم، فلا يستطيع وطنهم أن يوحي إليهم أسرار روحه؛ إذ لا يوافق منهم استجابة في الطبيعة، وينقادون بالحب لغيره، فيتجاوزونه وهم فيه، ويرثون دماءهم من أهلهم، ثم تكون العواطف في هذه الدماء للأجنبي، ومن ثَمَّ تصبح عندهم قيمة الأشياء بمصدرها لا بنفسها، وبالخيال المتوهم فيها لا بالحقيقة التي تحملها؛ فيكون شيء الأجنبي في مذهبهم أجمل وأثمن؛ لأن إليه الميل وفيه الإكبار والإعظام؛ وقد يكون الوطني مثله أو أجمل منه، بَيْدَ أنه فقَدَ الميل، فضعفت صلته بالنفس، فعادت كل مميزاته فضعفت لا تميزه.