"أسوأ أيام رأيتها في حياتي كانت هي الأيام الخمسة الأولى، ذهبوا بي إلى مبنى المباحث العامة بعد الاعتقال مباشرة، وهناك أجلسني أحدهم على كرسي في أحد ممرات المبنى، وقال لي: انتظر هنا حتى يستدعوك للتحقيق" وانتظرت هناك خمسة أيام "أي والله خمسة أيام قضيتها على ذلك الكرسي الملعون. وعليه تعلمت جميع أوضاع الجلوس والنوم على كرسي.. إن كان النوم على كرسي ممكناً. طبعاً جلست في البداية الجلسة العادية المألوفة، ووضعت ساقاً على ساق، ثم بدلت الساق الأخرى على الأولى.. ثم جلست والمسند إلى يميني واضعاً إياه تحت إبطي ثم استدرت ووضعته تحت الإبط الأخرى.. وعلى الأرض ممشاة متربة، جلست عليها مسنداً رأسي على المقعد تارة على جبهتي وأخرى على مؤخرة رأسي، ومرة أستند إلى مرفقي الأيمن، وأخرى إلى مرفقي الأيسر.. كل الأوضاع والأشكال الممكنة فوق ذلك الكرسي اللعين، وحوله، وعليه، وأسفله، وإلى جواره، وعلى يمينه، وإلى يساره.. الخ، خمسة أيام كأنها خمس سنين، ومتى؟ في الشتاء والجو بارد، وأثناء الليل أكاد أتجمد من البرد، لا تجديني البدلة والمعطف والكوفية شيئاً في ذلك الممشى البارد بينما غرف الضباط التي تحف بالممشى فيها دفايات كهربائية مشتعلة، والعمل مستمر ليلاً ونهاراً ناس تروح وتجيء معتقلون ومحققون ومخبرون وضباط وجنود وإداريون وسعاة، الكل يجيء ويروح ويتحرك ولا يكلف نفسه مؤونة النظر إليَّ... المبنى لا ينام ليلاً أو نهاراً وأنا لا أنام على ذلك الكرسي اللعين لا ليلاً ولا نهاراً أيضاً"
مشاركة من alatenah
، من كتاب