كان احتفال البيت كله ــ الأب والأم والأولاد والصغار ــ بزجل جديد لبيرم ــ بالعامية ــ لا يقل ــ وهم من عشاق الفصحي ــ عن احتفالهم بقصيدة جديدة لشوقي. وصول الصحيفة اليومية التي نشرت القصيدة ــ بالتشكيل ــ في صفحتها الأولي (فلشعر شوقي دون بقية الشعراء مكان الصدارة مهما كانت الحوادث والأخبار)، أو المجلة الأسبوعية التي نشرت الزجل ــ بدون تشكيل طبعًا ــ في صفحة داخلية (لم تكن الصحف اليومية تنشر بعد شيئًا بالعامية. تركتها لبعض المجلات، فعصر صلاح جاهين كان لا يزال في عالم الغيب) يا لها من لحظـة مضيئة في حياتهم. إنهم تربوا علي حب الكلمة، سواء مكتوبة، سواء منطوقة، والإعجاب بقدرتها حين تنزل منزلها الحق والمبتكر معًا علي إمتاع الذهن والروح معًا.
الأيدي تتخاطف الصحيفة أو المجلة والحجة إما مقام الكبير أو دلال الصغير، خطف يعرض الورق للتمزق، ولكنه خطف في نطاق الود لا العداء، فهو مصحوب بالضحك والمعابثة. إن كان هناك غضب عند الهزيمة، فهو مصطنع، سريع الزوال، ينتهي بالمهادنة، لا يكفيهم أن يقرأها كل منهم بعينه، ولنفسه بنفسه، لابد لهم بعد ذلك أن يتحلقوا حول من هو بينهم أكثرهم تمكنـــًا من اللغة وإجادة للإلقاء وهيامًا بالشعر إلي حد أن تأخذه الجلالة، ليتلو النص عليهم ملتزمًا نغمة الإنشاد وحركة الخطيب، لتشترك الأذن أيضًا في المتعة.
كناسة الدكان > اقتباسات من كتاب كناسة الدكان > اقتباس
مشاركة من د.صديق الحكيم
، من كتاب