كنت أنا الابن الثالث بين إخوتي.. ولدت في 7 يناير سنة 1905 بحارة الميضة وراء مقام السيدة زينب في بيت ضئيل من أملاك وزارة الأوقاف. ورغم أننا غادرنا حي السيدة وأنا لا أزال طفلاً صغيرًا، فهيهات أن أنسي تأثيره علي حياتي وتكويني النفسي والفني، فما زلت إلي اليوم أعيش مع الست «ما شاء الله» بائعة الطعمية، والأسطي حسن حلاق الحي، وبائع الدقة.. ومع جموع الشحاذين والدراويش الملتفين حول مقام «الست».
كانت والدتي شديدة التدين، مغرمة بقراءة القرآن الكريم وكتب الحديث والسيرة النبوية، وكانت تختار أسماء أبنائها من صفحات القرآن، فإذا اقترب موعد الوضع فتحت المصحف علي أي صفحة واختارت أول اسم يقابلها. وكثيرًا ما كانت تقرأ علينا صفحات من البخاري والغزالي ومقامات الحريري.
وكان أبي مفتونــًا بالمتنبي يحفظ كثيرًا من شعره ويلقيه علينا في جلساتنا المسائية.. وكان مغرمًا بالقراءة إلي أبعد حد حتي أنه كان يقرأ وهو يسير في الطريق.. ومازلت أذكر كيف عاد لنا ذات يوم وجبهته مبطوحة قد نبتت فيها حبة زرقاء، فقد صدم عمود الترام وهو سائر يقرأ في صحيفة!
وهكذا نشأت في بيئة تعشق القراءة.. والدتي وأبي.. وكذلك أخي الأكبر إبراهيم الذي يعرفه جميع باعة الكتب في مصر، جديدها وقديمها.. لقد كون لنفسه مكتبة عربية وإنجليزية كانت أول معين استقيت منه.
كناسة الدكان > اقتباسات من كتاب كناسة الدكان > اقتباس
مشاركة من د.صديق الحكيم
، من كتاب