كان القط الهزيل مرابطًا في زقاق، وقد طارد فأرةً فانجحرت في شقٍّ، فوقف المسكين يتربص بها أن تخرج، ويؤامر نفسه كيف يعالجها فيبتزها، وما عقل الحيوان إلا من حرفة عيشه لا من غيرها. وكان القط السمين قد خرج من دار أصحابه يريد أن يفرِّجَ عن نفسه بأن يكون ساعة أو بعض ساعة كالقططة بعضها مع بعض، لا كأطفال الناس مع أهليهم وذوي عنايتهم، وأبصر الهزيلَ من بعيد فأقبل يمشي نحوه، ورآه الهزيل وجعل يتأمله وهو يتخلَّعُ تخلُّعَ الأسد في مشيته، وقد ملأ جلدته من كل أقطارها ونواحيها، وبسطَتْه النعمة من أطرافه، وانقلبت في لحمه غلظًا، وفي عصبه شدة، وفي شعره بريقًا، وهو يموج في بدنه من قوة وعافية، ويكاد إهابه ينشقُّ سمنًا وكدنة، فانكسرت نفس الهزيل، ودخلته الحسرة، وتضعضع لمرأى هذه النعمة مرحة مختالة. وأقبل السمين حتى وقف عليه، وأدركته الرحمة له؛ إذ رآه نحيفًا متقبِّضًا، طاوي البطن، بارز الأضلاع، كأنما هَمَّتْ عظامه أن تترك مسكنها من جلده لتجد لها مأوًى آخر.
وحي القلم > اقتباسات من كتاب وحي القلم > اقتباس
مشاركة من عبد المنعم ادم
، من كتاب