بُنِي العالم على ثلاث قواعد: حفظ الذات، وحفظ النوع، وتحسين النوع، هذه هي الأوراق الثلاث التي يلعب بها العالم لعباته المختلفة في كل تصرفاته التي لا نهاية لها، وكل شيء في العالم من الحشرة الدنيئة إلى أرقى أنواع الإنسان يسعى إلى تحقيق وجوده الذاتي ووجوده النوعي، والعالم كله في جملته يتسامى لتحقيق غايته، وقد اتخذت الطبيعة لتحقيق ذلك كل الوسائل الممكنة من تحريك الغرائز المختلفة، والانفعالات المتباينة، والعواطف المتناقضة، ونحن لو بحثناها على شدة ما بينها من اختلاف لوجدناها كلها ترجع إلى هذه العناصر الثلاثة:
تلعب الغرائز والانفعالات والعواطف كل ألاعيبها في النبات والحيوان والإنسان لحفظ الذات وحفظ النوع، وتلعب في الإنسان ألاعيبها كذلك للسمو به، فسعي النبات وراء قوته وتجهيزه بالآلات العجيبة للحصول على غذائه، وتكثير بذوره، وسلوك الحيوان في شهواته وعواطفه، والإنسان في كل تصرفاته وعواطف حبه وغزله، وعواطف أبوته وأمومته وأفانينه — كل ذلك يفسر في النهاية حفظ الذات وحفظ النوع، فقانون الطبيعة في ذلك قانون ثابت لا يتخلف، ولا يمكن أن يصدر ذلك إذا لم يكن للعالم غاية.
مشاركة من Wafa Bahri
، من كتاب