لكنني أعرف محمود جيداً فهو لا يحب الارتباط أو القيود... يريد أن يظل حراً... قال لي إنه لا يفضل أن ينام طيلة الليل مع امرأة على سرير واحد... لأنه لا يستطيع النوم... ويفضل أن ينام في السرير وحده يسبح فيه كيفما يشاء طولاً وعرضاً.
كان يؤكد لي أنه قام بالخيار الأصح لأنه لو وقف مع أميركا ودول الخليج أثناء حرب الكويت لخسر الشعب الفلسطيني والعربي أيضاً. كان يقول لي: «أنا عيني على الشارع الفلسطيني يا عبد الباري وبوصلة الشعب هي الأدق». وكان الشارع الفلسطيني في غالبيته الساحقة يؤيد العراق بل وصدام حسين شخصياً، الذي كان يقدم الدعم السخي للانتفاضة ويقدم 20 ألف دولار لأسرة كل شهيد فلسطيني يسقط برصاص الإسرائيليين، وهو موقف لم يتخذه أي زعيم عربي آخر. وفوق ذلك، كان الوحيد في ذلك الحين الذي أطلق 39 صاروخاً لدكِّ تل أبيب عام 1991 رداً على العدوان الأميركي على بلاده.
عرفات مخاطباً عبدالباري عطوان:"اسمع يا عبد الباري، أنا أعلم أنك ضد اتفاقات أوسلو لكن لا تنسَ أبداً ما سأقوله لك: يوماً ما الإسرائيليون سيهربون من فلسطين بالآلاف. لن أرى هذا خلال حياتي لكنك بالتأكيد سترى ذلك، واتفاقات أوسلو ستكون سبباً مساهماً في ذلك»
كنت في سيارة أجرة متوجهاً إلى المطار حين سمعت صوت انفجار ضخم. آخر ما أتذكره كان استيقاظي في المشفى متألماً. حين لمست رأسي، عادت يدي مغطاة بالدم؛ نظرت إلى الأسفل ورأيت قميصي الأبيض مضرَّجاً بالدم أيضاً. كانت ممرضة تقوم بتنظيفي وسألتها عما حصل. قالت:
- «كنتَ مكوَّماً على الطريق السريع إم 4.
- ما حجم الأذى الذي تعرضتُ له؟ هل كان مفروضاً أن أكون في العالم الآخر؟
- لديك الكثير من الجروح، ورضٌّ في منطقة الرقبة، وأنف مكسور، وجرح في الرأس، قالت كالمبتهجة».
اتضح أنني قُذفت من المقعد الخلفي عبر زجاج السيارة الأمامي لشدة الصدمة لأنني لم أكن أضع حزام الأمان. كانت معجزة أنني لم أتعرض لإصابة أكبر وكان واضحاً أن عدداً من الناس قد قُتلوا في الحادث، لذلك أحسست أن العناية الإلهية حرستني أكثر من كوني محظوظاً. من الواضح أن الله أراد لي أن أجري المقابلة مع عرفات. أخبرت الممرضة المذهولة أنني سأخرج من المشفى حالاً. لحسن الحظ أن حقائبي جاءت معي في سيارة الإسعاف فتمكنت من تبديل ثيابي المبقعة بالدم قبل أن أقفز في سيارة أجرة وأتجه إلى المطار مجدداً، حيث، لحسن الحظ مجدداً، كانت رحلتي قد تأخرت وتمكنتُ من السفر.
استُقبلت بارتياب مشابه في صوفيا، وعند مغادرتي المطار تبعتني الشرطة السرية. وجدت فندقاً لكنني لم أستطع النوم لأن الألم كان فظيعاً. في الصباح الباكر، سمعت نقرة على بابي فقمت متعثراً، بعينين مشوشتين، لأفتح الباب. وجدت موظفاً من الفندق متجهماً وواقفاً عند الباب. قال لي:
- «عليك أن تغادر الغرفة الآن.
- أغادر الغرفة؟ لكنها الساعة السابعة فحسب. لا أعرف أي فندق عليك أن تغادر فيه قبل منتصف النهار، قلت وأنا غير مصدق.
- هذه بلغاريا، قالها مصرَّاً».
كنت مجهداً ومحتاجاً لمزيد من النوم لأخرج من صدمة الحادث وأكون جاهزاً لمقابلة عرفات.
أخرجت محفظتي من جيب معطفي وقلت له:
- «أوكي، انظر! سأدفع أجرة ليلة ثانية، كم هو المبلغ؟
- يجب أن تغادر الآن، ثم تعود عند منتصف النهار. موظف الاستقبال يأتي في ذلك الوقت».
كنت مذهولاً وغاضباً. كنت مغطى بالضمادات واللواصق، وكان واضحاً أنني أتألم كثيراً وأح
الشرطة الرسمي، أبلغاني، بأيد متصالبة، بأنني إذا لم ألتزم بـ«التعليمات» سأُعتقل. كنت لا أزال أتجادل معهما حين وصل رجلان...
وطن من كلمات: رحلة لاجئ من المخيم إلى الصفحة الأولى > اقتباسات من كتاب وطن من كلمات: رحلة لاجئ من المخيم إلى الصفحة الأولى > اقتباس
مشاركة من alatenah
، من كتاب