لا أزعم أن حياة الشعب شاعرية أو نبيلة، بل مليئة بالكد والقسوة. بعض هذه القسوة مباشرة في الوجه، كفرض الإتاوة على أكل عيش الفقراء، كسرقة الكحكة من يد اليتيم، كبلطجة الشرطة على الناس وعجزها عن حمياتهم في آن واحد، كمياه الشرب النقية التي يجب أن تمشي إليها وتعبئها في آنية وتعود بها للبيت كالغنيمة، كطابور الخبر المدعم، كالفقر والحاجة التي لن تستطيع سدها مهما فعلت. هذه بعض ملامح القسوة اليومية المباشرة، المعروفة للجميع. لكن القسوة الحقيقية هي تلك التي تَسربَّت إلى القلوب فعوّدتها على ملا يجب أن تعتاده. مثل سرقة بيت جيران عفاف بعد عودة أبيهم من السعودية بأسبوع، واقناع الجميع بأن السارق لابد أن يكون أحد الجيران الذي يعرف بعودة الرجل مُحمَّلاً. مثل الغيرة من جارك حين يشتري ثلاجة أو أثاثاً جديداً، أو حين يدخل بيته رجل محترم أو بنت حلوة أو يركب سيارة. مثل التشنيع على جيرانك إن علا شأنهم قليلاً كي تمنعهم من التكبر على الباقين. مثل الشباب على المقاهي وأمام المحلات وقد نصّبوا أنفسهم حُماة لقيم لا يعرفونها، خالطين أهواءهم وفورة غرائزهم بالشرع والرجولة. مثل أن يتحرش ابن الجيران بأختك، ثم يعتذر إليك أبوه لأنه ظنها فتاة أخرى! مثل الجار الذي يمنع زوجته من العمل، ثم يضربها، ثم يطلقها ويتركها مع عياله دون دخل، ثم يقترن بأخرى؛ جارتهم، ويعود مطالباً القديمة بمغادرة الشقة هي والأبناء. هذه هي القسوة الفاجعة حقاً، تلك التي لا يشعر بها أصحابها. ومع ذلك تتسرع وتُدِنْهمن بل حاول قدر استطاعتك الترفق بها وبهم حتى تزول، إن زالت.
باب الخروج: رسالة علي المفعمة ببهجة غير متوقعة > اقتباسات من رواية باب الخروج: رسالة علي المفعمة ببهجة غير متوقعة > اقتباس
مشاركة من rowis.mahfouz
، من كتاب