لاعب الشطرنج > اقتباسات من رواية لاعب الشطرنج > اقتباس

كنت أدرك عن طريق التجربة، التأثير العجيب الذي تمارسه هذه "اللعبة الملكية"، فمن بين كلّ الألعاب هي الوحيدة التي اخترعها الإنسان للتحرر تماماً من استبداد الصدفة وعدم منح إكليل السيادة إلّا للذكاء البشري، أو بالأحرى لنوع محدد من الذكاء. ولكن أليس في توصيف الشطرنج باللعبة حطٌّ من قدره وارتكاب لخطأ في حقه؟ ألا يعتبر الشطرنج علماً وفناً في الوقت ذاته؟ أليس شيئاً يحلّق بين هذين الطرفين؟ أليس مزيجاً فريداً من كلّ المتضادات؟ إنّ تاريخه ضارب في القدم ومع ذلك فهو جديد ومتجدّد على الدوام، صحيح أنه محكوم بقانون مضبوط، ولكن لا انتصال فيه إلّا لسلطة الخيال، إنه محصور في فضاء هندسي ثابت، ولكن لا نهاية في الوقت نفسه لتعدّد أشكاله وتوليفاته، متكاثرٌُ باستمرار ومع ذلك عقيم، إنه فكر لا يؤدّي إلى شيء، وحساب لا يحتسب أيّ شيء، فنّ لا يخلّف أثراً، وعمارة بلا قوالب، ومع ذلك فقد أثبت أنّ الإنساني والوجود أكثر ديمومة من كل الكتب والآثار الفنيّة، إنّه اللّعبة الوحيدة التي تشترك فيها كلّ الشعوب في كلّ الأزمنة، ولا أحد يعرف مُطلقاً أيّ إله خلق الشطرنج ووهبه للبشر ليقتُل الملل ويشحذ الذهن وينعش الروح. من أين بدأ وإلى أين سينتهي؟ بإمكان كل طفل أن يتعلم قواعده الأساسيّة. وفي وسع كلّ أحمق أن يختبر نفسه على رقعته، ومع ذلك فإن هذه اللعبة قادرةٌ في حدود مربّعاتها الضيّقة والثابتة، على خلق صنف فريد من العباقرة لا مثيل لهم على الإطلاق، أشخاص ركزوا موهبتهم فقط على الشطرنج، نوابغ مُميّزين تعمل عندهم الرؤية والصبر والمهارة معاً، مثلما يحدث في الرياضيات والشعر والموسيقى، غير أنّها تعمل متّحدة ومنسجمة بطريقة تكاد تكون مختلفة.

مشاركة من abd rsh ، من كتاب

لاعب الشطرنج

هذا الاقتباس من رواية

لاعب الشطرنج - ستيفان زفايج, يحيى حقي

لاعب الشطرنج

تأليف (تأليف) (ترجمة) 4.3
تحميل الكتاب