عن "الضمير الفكري"
- لا شيء يبدو لي اليوم أكثر ندرة من النفاق الحقيقي. وغالب ظني أن هذه الشجرة لا تتلاءم والهواء الناعم لحضارتنا الحالية. ينتمي النفاق إلى عصور الإيمان القوي، حيث لم يكن المرء ليتخلى عن معتقده الأصلي حتى وهو يجد نفسه مرغما على تبني معتقد آخر. أما اليوم، فإن الإنسان يتخلى عن معتقده الأول، أو أنه، وذلك ما غدا أمرا معتادا أكثر من غيره، يتبنى معتقدا ثانيا إلى جانب الأول -وهكذا يظل المرء صادقا في كل الأحوال. لا أشك في أنه من الممكن اليوم أن يتواجد عدد أكبر من المعتقدات مما كان عليه الأمر في ما مضى: ومن الممكن، تعني أنه مسموح بذلك، مما يعني أنه غير مضر. من هنا سينشأ التسامح تجاه النفس. -إن التسامح تجاه النفس يسمح بتواجد العديد من القناعات، وبأن تتعايش هذه الأخيرة بسلام في ما بينها -وتتفادى، كما هو شأن العالم كله في يومنا هذا، أن تضع نفسها موضع التورط. لكن كيف يورط المرء نفسه اليوم؟ عندما يكون منسجما مع نفسه؛ عندما يسير بحسب خط مستقيم؛ عندما يكون له أقل من خمس وجوه؛ عندما يكون صادقا... لكنّ خشيتي كبيرة أن يكون الإنسان المعاصر على درجة من الرفاه تجعله غير قادر على تحمل بعض الأعباء، مما يجعل هذه الأعباء تندثر. كل شر صادر عن إرادة قوية -ولعله لا يوجد من شر دون إرادة قوية- ينحلّ ويُمسخ فضيلة داخل الهواء الرخو لحياتنا... إن العدد القليل من المنافقين الذين عرفتهم لا يفعلون سوى التظاهر بالنفاق: لقد كانوا، كما هو شأن كل واحد من عشرة في أيامنا هذه، مجرد ممثلين.
غسق الأوثان أو كيف نتعاطى الفلسفة قرعاً بالمطرقة > اقتباسات من كتاب غسق الأوثان أو كيف نتعاطى الفلسفة قرعاً بالمطرقة > اقتباس
مشاركة من المغربية
، من كتاب