عندما تغدو ثقافة أجنبية ثقافة مهيمنة، غالبا ما يُنظر إليها على أنها نوع من التهديد، فيتم السعي لتفادي ضررها، وفي أقصى الأحوال تتم مقاومتها مقاومة منتظمة. تُمِدنا الأخبار الراهنة بأمثلة عديدة على موقف الانكماش هذا (يكفي استحضار موقف النابذين للغرب). الأمثلة على ذلك متوفرة أيضا فيما مضى من أزمنة. وربما لا يخلو من فائدة أن نُذكّر في هذا الصدد بما كتبه الشاعر بيترارك، الذي كان يُضْمر الكراهية للعرب، متوجها إلى أحد أصدقائه الذي كان، على العكس، يكنّ لهم الإعجاب:
"أناشدك، في كل ما يتعلق بي، ألا تقيم وزنا للعرب الذين ما تفتأ تعبر عن إعجابك بهم، وأن تتصرف تماما كما لو لم يكن لهم وجود. إنني أكن الكراهية لهذه السلالة بكاملها. أعلم أن اليونان قد أنتجت رجال علم وفصاحة، من فلاسفة وشعراء وخطباء وعلماء رياضيات، كلهم نبغوا هناك، وهناك أيضاء نشأ آباء الطب. أما الأطباء العرب!... فأنت أكثر الناس معرفة بهم. أما أنا فأعرف شعراءهم. لا يمكننا أن نتصور شعرا أكثر هشاشة وتوتّرا وفحشا... بالكاد يمكن لأحد أن يقنعني أن شيئا طيبا يمكن أن يصدر عن هؤلاء. ومع ذلك فأنتم، رجالَ العلم، لست أدري لماذا ينتابكم هذا الضعف حتى تغدقوا عليهم مدحا لا يستحقونه. [...] يا للعجب! [...] أبَعدَ العرب لن يُسمح قط بالكتابة!...". *
ـــــــــــ
* أورده إرنست رينان، ابن رشد والرشدية (بالفرنسية)، ص. 234. في أحد الهوامش يتساءل رينان: "كيف أمكن لبيترارك أن يعرف الشعر العربي الذي لم يكن للقرون الوسطى الأوروبية معرفة به قط؟"
مشاركة من المغربية
، من كتاب