ذلكَ لإنَّ الحِسَّ كالنُّورِ، إن أطلَقْتَهُ أضاءَ لكَ ما حولَكَ فرأيْتَ ما تُحبُّ وما تكره، وإن حَجَبْتَهُ حَجَبَ الأشياءَ عنك، فأنتَ لا تسمَعُ أصواتَ الشَّارِعِ معَ أنَّها أشدُّ وأقوى، وتسمَعُ همسَ الدَّارِ وهو أضعفُ وأخفتُ؛ لأنّك وجَّهْتَ إلى هذا حسَّكَ، وأدخلْتَهُ نفْسَكَ، فسمعتَهُ على خُفُوَّتِهِ كما ترى في الضِّياءِ صغائِرَ الأشياء، وأغفلْتَ ذلك وأخرجتَهُ من نفْسِكَ، فلم تسمعْهُ على شدَّتِه، وخَفِيَ عنكَ كما تختفي في الظَّلامِ عظائمُ الموجودات.
فلماذا لا تصرفُ حِسَّكَ عن كُلِّ مكروهٍ؟ إنّهُ ليس كُلُّ ألمٍ يدخلُ قلبَكَ، ولكنْ ما أدخلتَهُ أنت برضاكَ، وقَبِلْتَهُ باختيارِكَ، كما يُدخِلُ المَلِكُ العدوَّ قلعتَهُ بثغرةٍ يتركُها في سُوْرِها. فلماذا لا نُقوّي نفوسَنا حتى نتّخِذَ منها سُوراً دون الآلام؟
صور وخواطر > اقتباسات من كتاب صور وخواطر > اقتباس
مشاركة من ضياء الدين القباني
، من كتاب