البشرية لا تتعلم إلا قليلا. في الحروب كل القيم تتغير وتتبدل ويختل جزء من جوهرها. وتفقد حتى معناها الأصلي أحيانا. ما معنى أن يحمل إنسان سلاحا في الحرب؟ طبعا للقتل؟ لكن سيقتل من؟ إنسانا آخر بطبيعة الحال. والآخر يفعل الشيء نفسه وبالوسائل نفسها من حيث الجوهر لأن الرهان الذي يقوده هو القتل ولا شيء غير القتل. من يرتكب من الاثنين أكبر عدد من المجازر، سينتشي سعادة. لن يتمكن من النوم من فرط الاحتفالات التي لا تنتهي. سيحمله شعبه على ظهره، ويفرح به وينجز له التماثيل والأعراس. يفرح به لأنه أرهب العدو، وقتل عددا لا يحصى منه. في اللحظة نفسها، في ظل الحياة المنكسرة، تقام للقتلى من الجهة الأخرى، الجنازات يحضرها الذين انهزموا وخسروا المعركة. عندما يوارى القبر يكون قد ولد، في الثانية نفسها، خمسون عدوا جديدا، يحملون السلاح ويبحثون عن لحظات الانتقام والمعارك التي يثبتون فيها بطولاتهم. لحومهم منذورة للنار وجحيم الحروب، ليخلدوا أسماءهم على شواهد قبور باردة بعطر وملمس الموت. متشابهة في جملها وخطوطها وشكلها كأن الذين ينامون تحت التراب واحد، مكرر العديد من المرات: هنا ينام... سقط في ميدان الشرف في يوم... بعد خمس سنوات، أو عشر، أو حتى عشرين سنة من الجنون والدم، يدرك المتقاتلون أنه آن الأوان للصلح. يصرخون، يناورون، يهددون لكنهم ينتهون إلى الصلح، وينسى كل واحد ضحاياه. تفتح الحياة أبوابها من جديد، ويفرح الناس أخيرا، بما في ذلك ذوو الشهداء الذين يتصدرون المسيرات حاملين صور أبطالهم. وينتفي مفهوم الوطنية ولا يبقى إلا الإنسان بكل جنونه وشهوته للدم، وخرافاته التي ينتهي إلى تصديقها بسرعة أنها حقائق.
مشاركة من sihem cherrad
، من كتاب