منذ مائة سنة والدئب رماد يركض بلا تعب ولا نهاية. مخترقا هذه الجبال، وهذه التلال كرياح شتوية. أصبح بقرأ عنف الأشياء من حركة الأوراق واهتزاز الشجر ورعشة القمر الذي كلما أراد أن يفرغ صدره من التعب، عوى عاليا، رافعا رأسه باتجاهه. وعلى غير ما رواه بعض الأولين، فقد أنقذ رماد أكثر من قطيع كان على حافة الموت بين أنياب الذئاب الأخرى التي لا تحمل لون عينيه ولا كثافة شعره الرمادي. وكاد يموت وهو يخوض معاركه ضدها بلا هودة، لولا أن لعق جراحاته بلسانه طويلا قبل أن يرتقها بلعابه، ويرفع من جديد نظراته الحادة عاليا، نحو سماء تعلو كلما غضب، وتنخفض كلما كان سعيدا، ثم يركض من جديد بلا توقف. حاد النظر ليلا نهارا ورهيف السمع في القرب والبعد. يقف قليلا على حافة الفراغات بثقة عالية. يتأكد من أن الصوت الآتي من تحته هو لموجة تكسرت على الصخور البركانية القديمة، والصوت القريب هو لقطرات الندى إذ تذوب على أوراق شجر ة البلوط الخشنة، متحولة إلى وشاح ناعم البياض، شديد اللمعان، يتوغل فيه عميقا. يلتفت الذئب رماد قليلا نحو الشجر والغيم الذي يلامس الأوراق العالية، ثم يتجه نحو مخبئه السري الذي لا أحد غيره يعرفه، لأنه يدرك جيدا أنهم يوم يكتشفونه تكون النهاية. ينتفي نهائيا عن الأنظار.
مشاركة من sihem cherrad
، من كتاب